بنفسج

أرجوك ما تفتيش

الأربعاء 25 اغسطس

كم ضحِكنا ونحن نتابعُ برنامجَ "أرجوك ما تفتيش"، الذي عُرض لسنواتٍ على أحدِ الفضائياتِ؛ بغرضِ تعديلِ سلوكِ الشعبِ المصري الذي يُبدي خبرتَه في كلِّ شيء؛ حتى في الأمورِ التي لا يَفقَهُ فيها مُطلقًا! وبالعادةِ كان الغزيونَ يشاهدونَ هذا البرنامجَ؛ وهم في قمّةِ الضحكِ؛ لشعورِهم بمدَى "التخبيص والتهجيص" الذي يمارسُه ضيوفُ البرنامجِ بكُلِّ احترافيةٍ وثقةٍ.  في عصرِ السوشيال ميديا بات شعارُ "أرجوك ما تفتيش" شعارًا لا بدّ من تعميمِه في ظلِّ "التخبيص والتهجيص" الذي يمارسُه العامةُ على غالبيةِ الصفحاتِ والمجموعاتِ دونَ عِلمٍ أو درايةٍ؛ ورُبما أكثرُ شعارٍ لا بدَّ أنْ تَرفعَه المجموعاتُ النسائيةُ اليومَ في ظِلِّ ما يمارَسُ عليها من غلطٍ ولغطٍ في الأفكارِ والمعلوماتِ.

لستُ ضدَّ التجمعاتِ النسائيةِ على مواقع السوشيال ميديا؛ رغمَ أنّ من يقرأ مقالاتي يقولُ أنى ضدُّها بالكاملِ، والحقيقةُ أنى مع أيِّ تواجدٍ نسائي ودومًا منحازةٌ لكُلِّ النساءِ؛ بَيدَ أنّ رسالتَنا تستدعي مِنا أنْ نشيرَ إلى الخطأ في محاولةٍ للتصحيحِ، وما يَحدثُ على الجروبات والمجموعاتِ النسائيةِ غايةً في الخطورةِ. سأَسردُ لكم بعضَ المنشوراتِ التي تضعُنا في مهبِّ الريحِ. تضعُ واحدةٌ من السيداتِ مشكلةً؛ تطلبُ فيها الحلَّ حولَ وضعٍ عائليٍّ؛ وتطلبُ النصيحةَ والإرشادَ.

علينا أنْ نقفَ ونراهنَ من خلالِ وَعي النساءِ وثقافتِهنّ؛ لنقولَ لهنَّ "أرجوكِنَّ ما تفتوش"، التعليقُ الذي تَكتبْنَه بكُلِّ سهولةٍ؛ يُمكِنُ أنْ يكونَ مِعوَلَ هدمٍ لعائلةٍ ما، ومن المُمكِنِ أنْ يكونَ سببًا في إيذاءِ صحةِ طفلٍ، ومن المُمكِنِ أنْ يكونَ سببًا في تدميرِ نفسيةِ إنسانةٍ، ومن المؤكّدِ أنه يضعُ عشراتِ النساءِ في أفكارٍ وتخيُّلاتٍ متعِبةٍ في حياتِهنّ من خلالِ المقارنةِ.

 ولْنكُنْ أكثرَ توضيحًا؛ "تضعُ واحدةٌ من السيداتِ أنّ لدَيها إحساسًا وشكوكًا بأنّ زوجَها _مثلًا يعرفُ أخرى عليها_ وتطلبُ النصيحةَ ماذا تفعلُ؟ وكيف تتأكدُ؟ وهنا تنهالُ عليها الردودُ الغريبةُ العجيبةُ من نساءٍ لا عِلمَ لهنَّ ولا درايةً – سيداتٍ ينصَحْنَها بطلبِ الطلاقِ، أُخرياتٍ يؤكِّدْنَ لها بالباعِ والدراعِ أنّ زوجَها خائنٌ، وعشراتٍ يقُلنَ لها طرُقًا للتأكدِ من خيانتِه، مغموساتٍ بالأفلامِ الهنديةِ؛ يشرحنَ لها سيناريو ماذا سيَحدثُ بعدَ هذا الشكِّ؛ حتى تصلَ إلى الخيانةِ الكاملةِ، وقليلاتٌ جدًّا يطلبنَ منها الترَويّ والدعاءَ بالبصيرةِ.

تضعُ سيدةٌ أخرى منشورًا آخَرَ تقولُ فيه: "تعاني ابنتي ذاتُ العشرِ أعوامٍ من رائحةِ عرَقٍ وفمٍ سيئةٍ؛ انصحوني ماذا أفعلُ"، فجأةً تجدُ أنّ كلَّ النساءِ نساءِ المجموعةِ عاملاتٌ في القطاعِ الطبي بتشخيصاتٍ مختلفةٍ! وتجاربَ لا حصرَ لها لقصصٍ مشابهةٍ، بينما تقولُ مئاتٌ منهنَّ بصرَفِ نوعِ الدواءِ الذي تحتاجُه هذه الطفلةُ، وقليلاتٌ مَن يقُلنَ لها راجعي الطبيبَ.. هذه طفلةٌ، لا تُعرِضّي حياتَها للخطأِ. تضعُ ثالثةٌ سؤالًا حولَ طريقةِ طبخِ الملوخيةِ؛ هل تضعُ عليها الحُمصَ! فجأةً تجدُ آلافَ المُتنمّراتِ والساخراتِ من سؤالِها؛ فيما تضعُ لها العشراتُ طرُقًا لطبخِ الملوخيةِ؛ لا تكادُ تتشابَه طريقةٌ مع الأخرى! فيما تتطوعُ العشراتُ منهنَّ بعملِ "منشن" للأخرياتِ للضحكِ على التعليقاتِ.

أمامَ هذه المنشوراتِ والتعليقاتِ؛ علينا أنْ نقفَ ونراهنَ من خلالِ وَعي النساءِ وثقافتِهنّ؛ لنقولَ لهنَّ "أرجوكِنَّ ما تفتوش"، التعليقُ الذي تَكتبْنَه بكُلِّ سهولةٍ؛ يُمكِنُ أنْ يكونَ مِعوَلَ هدمٍ لعائلةٍ ما، ومن المُمكِنِ أنْ يكونَ سببًا في إيذاءِ صحةِ طفلٍ، ومن المُمكِنِ أنْ يكونَ سببًا في تدميرِ نفسيةِ إنسانةٍ، ومن المؤكّدِ أنه يضعُ عشراتِ النساءِ في أفكارٍ وتخيُّلاتٍ متعِبةٍ في حياتِهنّ من خلالِ المقارنةِ.

وعلينا أيضًا أنْ نقولَ لكُلِّ النساءِ: إنّ المجموعاتِ النسائيةَ ليستْ مستشفًى للعلاجِ، ولا مِصباحَ "علاء الدين" لحلِّ مشاكلِك، ولا مُجمَعًا طبيًا نفسيًا يقدّمُ لكِ الحلولَ النفسيةَ الكاملةَ، وإنّ ما يكتبُ عليه هو "حديثُ نساءٍ" لا يَستنِدُ إلى معلومةٍ أو حقيقةٍ أو قاعدةٍ إلا من رحمَ ربي؛ لذا حاولي البحثَ عن أصحابِ الاختصاصِ لمعرفةِ الحلولِ، والسوشيال ميديا تتيحُ لكِ ذلك؛ ما عليكِ فقط هو أنْ تتصرّفي بعقلانيةٍ لا أكثرَ.

لكُلِّ النساءِ، كوني أقلَّ تنَمُّرًا وسخريةً، احتفظي بتجاربِك الخاصةِ وغيرِ المُتزِنةِ في ذاكرتِك، تَعاملي مع الأسئلةِ ببعضٍ من التفكيرِ الإيجابي، كوني على درايةٍ أننا شعوبًا وقبائلَ نختلفُ في التربيةِ والبيئةِ والظروفِ والتفكيرِ والسلوكِ، لا تُسقِطي تَغوُّلَ نفسِك في كلِّ شيءٍ، أنتِ لستِ طبيبةً لتُعطي الدواءَ، ولستِ أخصائيةً نفسيةً لتُقيِّمي كلَّ حالةٍ، لا تعترضي على ظروفِ أحدٍ، أو سلوكِ أحدٍ؛ لأنّ في الاعتراضِ الهلاكَ، لا تضعي نفسَكِ في كلِّ المواضعِ؛ فتَهينيها قبلَ أنْ تهيني الآخَرينَ، اكتبي تعليقًا تقولين فيه خيرًا؛ أو لتصمتي عن إيذاءِ نفسِك والأُخرياتِ، أرجوكِ ما تِفتيش.