بنفسج

"كل مُبتلى مُلهَم": ندى حمدان عن ساقها الغائبة!

الخميس 16 مارس

"بعد أن استيقظت بفعل منبه سمعته بأذنيّ، أقف أمام المرآة، أنظر ليديّ التي يتمنى كثيرين لو يمتلكونها، أنظر لوجهي الجميل، لعيناي التي أرى بهما بشكل تام، وأشياء كثيرة أخرى، ولكني لا أنظر لقدمي التي فقدتها أبدًا، لأني أمتلك نعمًا أخرى كثيرة لا تعد ولا تحصى". هكذا تبدأ ندى أكرم حمدان 21 عامًا صباحها في كل يوم بعد أن خاضت رحلة طويلة امتدت لسنوات من المرض لتنتهي ببتر قدمها اليمنى. قد يصاب الطفل بالزكام لمدة خمس أيام، أو تُكسر يده وهو يلعب، أو يتعرض لبرد شديد يفقده الشهية ليومين أو ثلاثة، ولكن طفولة ندى كانت مختلفة بعض الشيء. ولم يكن الأمر اعتياديًا كباقي الأطفال.

| قرار البتر

أصيبت ندى حمدان في سن الخامسة بورم في الحبل الشوكي الذي غاب عنها عدة سنوات، ليعود بوحشية أكبر في سن ال 11 عامًا. بدأ الورم بدوره بالضغط على أعصاب الأقدام مما أثر بشكل رئيسي على قدمها اليمنى، وسبب لها ما يسمى "بالقدم العصبية"، وهو ما يؤدي لفقدان الإحساس تمامًا في أعصاب القدم المصابة بهذا المرض.
 
تقول: "بعد توصيات كثيرة من الأطباء لبتر القدم اتخذت قراري بشكل شخصي وحرية تامة لبتر قدمي"، "وبعد استيقاظي من عملية البتر راودني شعور غريب للغاية، ولكني كنت أشعر أني لست على الأرض، كنت أشعر أن يد الله تحملني".

 أصيبت ندى في سن الخامسة بورم في الحبل الشوكي الذي غاب عنها عدة سنوات، ليعود بوحشية أكبر في سن ال 11 عامًا. بدأ الورم بدوره بالضغط على أعصاب الأقدام مما أثر بشكل رئيسي على قدمها اليمنى، وسبب لها ما يسمى "بالقدم العصبية"، وهو ما يؤدي لفقدان الإحساس تمامًا في أعصاب القدم المصابة بهذا المرض، وكمثال على التبعات السيئة للقدم العصبية.  تستذكر ندى، ذات مرة، أنها تعرضت لجرح في قدمها لم تشعر به البتة، ومن هنا بدأت المعاناة، حيث تحول الجرح لالتهاب بفعل بكتيريا وصل للعظم، وبدأ العظام بالتآكل، دخلت بعدها ندى مرحلة علاج طويلة امتدت لسنوات وعشرات العمليات الجراحية دون أي فائدة حقيقية.

"بعد توصيات كثيرة من الأطباء لبتر القدم اتخذت قراري بشكل شخصي وحرية تامة لبتر قدمي"، "وبعد استيقاظي من عملية البتر راودني شعور غريب للغاية، قد تبدو مبالغة مني قد لا يفهمني كثيرون، حتى أنا أعجز عن وصف شعوري بدقة ووضوح، ولكني كنت أشعر أني لست على الأرض، كنت أشعر أن يد الله تحملني، وشعرت بكمية صبر وطمأنينة لم أشعر بهما قط، ولكنها كانت معية الله بلا شك، لا أنكر أني كنت خائفة من النظر إلى قدمي بعد البتر، ولكن وجود "جبصين" يلفها خفف عني أيضًا مخاوفي وأعطاني مساحة زمنية لتقبل قدمي بشكل تدريجي".

بعد 10 أيام تم فك الجبصين، كان المشهد، كما وصفته ندى، مخيفًا ومرهبًا للغريب، فكيف لصاحب الحدث، ولكنها لم تلبث فترة طويلة حتى اعتادت على قدمها كأنها منذ زمن طويل وهي على هذا الحال. واليوم تتذكر ندى قدمها فقط عند تبديل الطرف الصناعي الذي قامت بتركيبه بعد فترة لتتم مهامها بشكل طبيعي، وعندما تجلس بوضعية قدم على قدم، وغير ذلك، لا يخطر ببالها البتة.

| كل مبتلى مُلهَم

ندى حمادن.jpg
ندى حمدان

قد يتأسف القارئ وهو يقرأ هذه السطور، ولكن لندى وجهة نظر مختلفة، حيث تقول: "كل مبتلى مُلهَم"، هكذا تلخص ندى النتيجة الرجعية التي عادت عليها من بتر قدمها، حيث تقول إن إيمانها تعمق بهذه العبارة بعد كل ما مرت به منذ مرحلة المراهقة حتى اليوم. تقول: "قدمي بوابتي للتفتح مداركي وتعمق البصيرة في نفسي، فقد عايشت من خلالها قصصًا كثيرة كل ليلة بتّها في المشفى، كل ألم وشعور سيء أو جيد مررت به كان من خلالها، لأصبح اليوم بإدراك وبصيرة أعمق".

تضيف: "(أما بنعمة ربك فحدث)، عملتني هذه الآية أن أستشعر النعم التي أعتاد البشر عليها، ومن الطبيعي أن يمتلكها الجميع، رأيت والداي بشكل مختلف، جسديًا ونفسيًا، الحياة برمتها باتت مختلفة"؛ اليوم أنا أقف أمام المرآة أنظر ليديّ التي يتمنى كثيرين لو يمتلكونها، أنظر لوجهي الجميل، لعينيّ اللاتي أرى بها بشكل تام في حين فقدها كثيرون، ولكني لا أنظر لقدمي التي فقدتها أبدًا لأني أمتلك نعمًا أخرى كثيرة لا تعد ولا تحصى".

"أذكر أنني كنت متحفظة جدًا على مرضي، وقدمي، ولم أكن أشارك هذا الجانب من حياتي مع الناس لأني كنت أظن أن الناس لا تحب التجارب السيئة والحديث عن المرض والألم، ولكني بت أرى الموضوع برمته بشكل مختلف، إن مشاركة مثل هذه القصص قد تلهم الناس وتغير نظرتهم كما غيرت نظرتي، وهو ما جعل مني اليوم مُلهِمة لكثيرين وهو الذي لم أكن أقصده يومًا". هكذا تصف ندى نظرتها التي تبدلت حول الإلهام، وبدأ الأمر عندما نشرت ندى منشورًا تعلن فيه أنها ستخضع لعملية بتر في القدم، وكان هدفها أن تُشهر الموضوع لكل من كان يسأل عنها دفعة واحدة لتجد نفسها اليوم تتجهز لتقف على منصة "تدكس" لتلهم الكثيرين.

"على فكرة إحنا مش صاحباتك لأنو بنحبك، إحنا بس لأنك معاقة ... "، "هو كل واحد بعمل عملية بدو يجننا، خلص اطلعي الدرج وبكفيكي دلع..". كانت هذه بعض عبارات التنمر التي تعرضت لها ندى وهي طالبة، والتي لم تعد تتأثر بها في نهاية المرحلة الإعدادية حتى أنها تذكرتها بصعوبة عندما سُئلت عنها، لأنها تعتبرها مرحلة هامشية جدًا في حياتها تأثرت بها لمدة، ولكنها لا تستحق حتى أن تبقى في الذاكرة. كما أنها ترى أن الناس تنظر لك من خلال نظرتك لنفسك، وهذا ما جعلها تتجاوز الأمر كأنه لم يكن في الأساس.

| خطوات ثابتة نحو أحلام كثيرة

عن تخصصها الجامعي تقول ندى إنها لطالما كان لها شغف وحب في حياتها بعيدًا عن أي عقبة واجهتها بحياتها، فكيف إذا كان الاستثمار والإدارة في الإنسان، هنا يكتمل شغف ندى وميولها في العمل والدراسة، وترجح أنها ستكمل في تخصص التنمية البشرية عندما تدخل سلك الدراسات العليا وهو ما تطمح له، كما أن لها أحلامُا كثيرة أخرى إلى جانب الدراسات العليا أحدها، أن تكون كاتبة لتسطر على الأقل في إصدار واحد تجربتها كاملة.

وفي رسالة أخيرة لندى تقول: "قد تسمع تجارب ناس كثيرة ونقرأ عشرات الكتب في التنمية والقوة والإرادة والصبر، ونحظى بكثير من الحب والدعم، ولكن في لحظة الانكسار ويأس حقيقي لن تجد سوى الله معك، لذلك احفظ علاقتك به جيدًا لتنعم بحياة سعيدة وقلب مطمئن"، وتضيف: "قد نحظى بأصدقاء مخلصين داعمين وقلوب محبة، ولكن لن تحظى بنعمة أكبر من دفء والديك اللذان كانا أول من تراه عيناي بعد كل عملية". أخيرًا: "نحن لسنا محتاجين لفعل أي شيء لإبهار الناس لنشعر من خلالهم أننا مكتملين أو كافيين لأحدهم، يجب أن يثق الإنسان بنفسه بمعزل عن أي نظرة انبهار خارجي".