بنفسج

"وصمة الهرمونات": هل نحن عصيات على الفهم؟

الثلاثاء 26 أكتوبر

لفتت انتباهي شجرة ذات وردات برتقالية، أثناء سفري إلى القاهرة من الإسكندرية منذ عدة أيام، فرحت واتسعت ابتسامتي كطفلة صباح يوم العيد، بقيت مُحدقة إليها قدر استطاعتي، إلى أن اختفت عن نظري، وحينها أدركت الأمر، أنا الآن بخير. أخبرتني إحدى صديقاتي ذات مرة أنني أخشى الفرحة، لا أراني استحقها، وكنتيجة، إذا ما شعرت بها تغمرني، سريعًا ما أحاول التخلص من هذا الشعور، أحاول إيجاد سببًا للحزن، أو مشكلة لأغرق فيها، هو ما يُطلق عليه البعض هرمونات!

كثيرون هم من يتحدثون باسم النساء، أظن أن الرجال لا يعلمون تحديدًا كيفية التعامل معنا، فيطلقون مُسميات وحالات لما لا يمكنهم تفسيره، وجاء أحدهم بفكرة الهرمونات وأعجبتهم الفكرة كسبب لكل شيء؛ للحزن والضيق والتفاؤل والسعادة والحركة المفرطة والبكاء المفاجيء، فهرموناتنا كنساء هي دائمًا السبب، وصمونا بالهرمونات وكأنها عيب علينا الخجل منه.

هل هي هرمونات؟

كثيرون هم من يتحدثون باسم النساء، أظن أن الرجال لا يعلمون تحديدًا كيفية التعامل معنا، فيطلقون مُسميات وحالات لما لا يمكنهم تفسيره، وجاء أحدهم بفكرة الهرمونات وأعجبتهم الفكرة كسبب لكل شيء.
 
تساءل زميل عمل مرةً "هل هي هرمونات؟"، قلت لا، ليس للهرمونات علاقة بالأمر! وبعدها صدمتني إجابتي، سواء أكان السبب الهرمونات أو غيرها، ما العيب في ذلك؟ بالمناسبة لم أكن حزينة أو باكية، كنت غاضبة من تدخله في أموري الشخصية، كانت تتملكه الرغبة في معرفة سبب تعصبي لأحد أفكاري التي طرحتها، أليس حقًا لي لأنني امرأة؟!

تساءل زميل عمل مرةً "هل هي هرمونات؟"، سارعت بالإجابة أن لا، ليس للهرمونات علاقة بالأمر! وبعدها صدمتني إجابتي، سواء أكان السبب الهرمونات أو غيرها، ما العيب في ذلك؟ بالمناسبة لم أكن حزينة أو باكية، كنت غاضبة من تدخله في أموري الشخصية، كانت تتملكه الرغبة في معرفة سبب تعصبي لأحد أفكاري التي طرحتها، ورفضي الانتقاد الموجه ناحيتي، أليس حقًا لي لأنني امرأة؟!

بدايةً، ما هي هذه الهرمونات؟ هي مواد كيميائية تطلقها الغدد الصماء في الجسم للقيام بأدوار معينة، سنتطرق إليها تاليًا، إنها مواد كيميائية لدى الجنسين، أكانت هذه مفاجأة؟ أليكم مفاجأة أخرى؛ إن للنساء هرمونات خاصة تساعد على تطور جهازها التناسلي وصحتها الإنجابية وإطالة شعر الرأس، لدي الرجال مجموعة خاصة من الهرمونات، تساعد على خشونة الصوت، وانتشار شعر الجسد، وتقوية العظام والكتلة العضلية.

ليس الأمر مقارنةً، لا أشجع هنا النساء تحديدًا، وليس لدي ضغينة ضد الرجال، كل ما في الأمر هو أنه يتحدث الجميع عن النساء، عدى النساء، يحكي الرجال عن هرمونات النساء وتغيراتهم وقت الدورة الشهرية، يحكون عن رغبات البكاء المفاجأة والعاطفة الزائدة، ما عِلمهم عن ألم هذه التغيرات النفسية، بل وما عِلمهم عن تأثيرها وأسبابها، هل حاول أحدهم القراءة عنها؟

| شجرتي البرتقالية

النساء3.png

عودةً لشجرتي ذات الوردات البرتقالية، أدركت السبب وقتها، ليست هرموناتي وليست طبيعتي الهادئة، ليس لأنني كئيبة؛ فلا يولد أحدهم كئيبًا، ليس الحزن المتأصل كذلك، يخبرونني أنني أخشى الفرحة لأنني لا أُظهرها كثيرًا، إنني فقط مُتعبة، مُتعبة من عدم إظهار الفرحة، من خشية ردود الأفعال، ومُتعبة من عدم الفرحة، لم يعد هناك ما يغمرني بالسعادة، ومُتعبة من إخبارهم لي أنني أخشى الفرحة، من حُكمهم وتحكمهم.

إنه الاكتئاب؛ يُعرف الاكتئاب بأنه اضطراب المزاج الذي يسبب شعورًا متواصلًا بالحزن، وفقدان المتعة والاهتمام بالأمور المعتادة، ونقص التركيز. قد يكون الاكتئاب مصحوبًا بالشعور بالذنب، وعدم الأهمية، ونقص تقدير الذات. كما يؤثر المرض على المشاعر، والتفكير، والتصرفات. يواجه العديد منا مشكلة في التفرقة بين الاكتئاب والحزن، يمكن التفرقة بينهما بالأعراض السابق ذكرها؛ فالحزن لا يصاحبه في العادة فقدان المتعة والاهتمام، أو الشعور بعدم الأهمية وعدم تقدير الذات.

كما يحدد الأطباء المُدة التي يجب على المريض القلق بعدها والتوجه لزيارة الطبيب النفسي بالأسبوعين، فإذا استمر الحزن لمدة أقل من ذلك فلا مشكلة، أما متى تجاوزت المدة الأسبوعين يجب علينا أن نبدأ القلق. في مجتماعاتنا العربية يوصم المرضى النفسيين بالجنون؛ فيجب عليهم الشعور بالحرج من مجرد التفكير؛ كيف لهم أن يمرضوا مرضًا نفسيًا وهم يتناولون أفضل الطعام ويلبسون أفضل الثياب! في حين أن المرض الجسدي هو أمر مقبول، بل ومن المحبذ زيارة الطبيب وبدء العلاج على الفور.

| المرض النفسي ليس جنونًا

النساء5.png

يواجه المرضى أنفسهم بعض الأفكار المضللة عن العلاج النفسي، إذ يقولون لهم: زيارة الطبيب النفسي ستشمل علاجًا بالصدمات الكهربائية ولا مفر من ذلك! كما أن العلاج الكيميائي والأدوية ستُخرّب أدمغتنا وستغير طبيعتنا، والعلاج بالكلام هو أمر محرج للغاية، في حين أن المجهود الواجب بذله هو أكثر مما يمكن لأحدهم تحمله، فيلجأ الكثير منا للصمت وتأجيل العلاج.

أحد أهم المعلومات التي لا يخبرون المريض النفسي بها أن الأمر لن يتطلب زيارة واحدة للطبيب تليها استشارة وينتهي الألم، لن يكون المرض مُزمنًا لكنة لن ينتهي بمرور أيام، كما إن حبوب العلاج ليست حبوبًا سحرية ستُزيل جميع مشاكلنا كأنها لم تكن، سيتطلب الأمر الوقت والمجهود، ستمر بأيام سيئة طويلة كما ستمر بأيام جيدة، لكن يمكنني أن أعدك أنك ستشعر ببعض التحسن تدريجيًا حتى الشفاء.

تتضمن العلامات التي يجب للمرء أن يكون على دراية بها لتعمل كوميض حذر له أو لدائرته المقربة: الحزن المستمر، ضعف الثقة بالنفس، والشعور بالدونية، الشعور باليأس، والإحساس بالذنب، الشعور بالقلق، والتوتر، الشعور بالخمول، وانعدام النشاط، عدم الاهتمام بالواجبات، بالعمل، أو المدرسة، نقص أو انعدام الرغبة، أو المتعة بالنشاطات التي كانت تثير الرغبة والمتعة. صعوبة التركيز، أو اتخاذ القرارات.

إضافة إلى التفكير بالموت، أو الانتحار. صعوبة النوم ليلًا، مع الاستيقاظ باكرًا، أو النوم الزائد. انخفاض الشهية ونقصان الوزن، أو زيادة الشهية وزيادة الوزن. الصداع، وآلام العضلات بلا سبب واضح. التحدث، والتحرك ببطء. اضطراب الأمعاء (عادةً ما يكون الإمساك، أحيانًا الإسهال). تغيرات في الدورة الشهرية لدى النساء. الميل للعزلة. الابتعاد عن الأهل، والأصدقاء المقربين. تعاطي المهدئات، والكحول.

لا يتطلب الأمر تجربة جميع هذه الأعراض في آنٍ واحد، يكفي مؤشر الخطر، تجربة أحد أو بعض هذه الأعراض لفترة تزيد على أسبوعين. وإليكِ عزيزتي، المرض النفسي ليس جنونًا، ليس هرمونات نسائية، وليس دلع بنات، المرض النفسي ينتج عنه العديد من المشكلات على المستوى الجسدي والاجتماعي، بل إن وجود المشكلات النفسية بحد ذاتها يجب أن تكون كافية لبدئك بالعلاج. عودةً لشجرتي ذات الورود البرتقالية، فأنا الآن بخير.