لا أنسى يوم وفاة ابن عمتي الصغير وهو في عمر السنة جرّاء وقوعه بشكل مفاجئ أثناء اللعب واصطدام رأسه بالطاولة بقوة. تقول عمتي يومها: "بكى من ألم الضربة قليلًا، ثم نام"، وظنت وقتها أن الأمر طبيعي، ولكن بعد عدة ساعات من نومه أثناء فترة النهار ذهبت لتجد حرارته مرتفعة للغاية، حاولت تداركها منزليًا، ولكن لم يجد الأمر، لتذهب مسرعة إلى المشفى ويشخّص بنزيف دماغ داخلي لم يستطع الأطباء تداركه، ليتوفى بعدها بساعة أو ساعتين.

وفي حالة أخرى، كان الطفل يلعب بجانب التلفاز، وبحركة لم تنتبه لها الأم سحب الطفل طاولة التلفاز باتجاهه ليسقط على رأسه ويظل حتى اليوم مصابًا بإعاقة ذهنية وحركية. قد تبدو القصص ذات نهايات مفاجئة، خصوصًا أن هذه الحوادث؛ سقوط الطفل أو ارتطام رأسه، أمر يحدث يوميًا خصوصًا مع بداية تعلم المشي.

المفاجئ أكثر، أن هذه النهاية قد يتم افتعالها من دون قصد، ففي موروثنا الثقافي، كثيرًا ما نسمع عبارة "لفيه بالكوفليه وهزيله شوي ع إجريك أو كتفك بنام!". وكم مرة رأينا هذا المشهد؛ إحدى السيدات الكبيرات في السن إذا ما بدأ الطفل في البكاء من دون توقف، تهزه على قدميها، أو على كتفها، بقوة. أو كم مرة رأينا أبًا يلعب مع طفله ويهزه بعنف، أو يرميه في الهواء بقوة عدة مرات، ثم يلتقطه ليفاجئ الأهل فيما بعد بتأثر الطفل، وتغير في وضعه الصحي بشكل غير مفهوم.

كانت نصيحة الجدات تفلح أحيانًا كثيرة؛ فأحيانًا كثيرة ينهض الطفل ليكمل اللعب بعد اصطدام رأسه كأن شيئًا لم يكن. أو يضحك الطفل بمتعة كبيرة عندما يلعب لعبًا عنيفًا، ويستمتع باللعب مع والده، فيما تصنف بعض الدول هذا النوع من اللعب "بالمعاملة السيئة للطفل"، لأن هذه الحركات البسيطة التي قد لا تتجاوز بضع ثوانٍ قد تؤدي إلى نزف في الدماغ وموت في بعض الخلايا العصبية، وربما الوفاة، إذ يُصاب بما يُسمى طبيًا بـ "متلازمة الطفل المهزوز".

| ما هي متلازمة الطفل المهزوز؟

حسب تعريف الأطباء والمختصين، فإن متلازمة هزِّ الرضيع، أو متلازمة الطفل المهزوز، إصابة بالغة في الدماغ تصيب الرضع وحديثي الولادة أو حديثي المشي. ولها تسميات أخرى؛ مثل الصدمة العنيفة على الرأس، أو متلازمة تأثير الاهتزاز، أو متلازمة المصع بسبب الاهتزاز، أو إصابة ملحقة بالرأس. تؤدي متلازمة الطفل المهزوز إلى نتائج سيئة ومميتة أحيانًا، مثل تدمير الخلايا الدماغية لدى الطفل ومنع المخ من تلقي الأكسجين الكافي. وأيضًا يمكن أن تؤدي إلى التلف الدائم للدماغ أو الوفاة. (1)

| أعراض الإصابة بالمتلازمة والمتسبب الرئيسي بها

أي شخص يتعرض لصدمة في الرأس سيتألم، وتختلف ردة الفعل من شخص إلى آخر؛ بالنسبة للرضيع فإنه قد يبكي بضع دقائق، وهذا طبيعي جدًا، ولكن بعض الأعراض إذا ما ظهرت، فهذا يدل على وجود إصابة بمتلازمة الطفل الرضيع، مثل العصبية والتهيج الشديد، الخمول وصعوبة البقاء مستيقظًا، وصعوبات في التنفس، وهي من الأعراض التي تدل على إصابة الطفل بالمتلازمة، وإضافة إلى ذلك فهناك القيء، سوء التغذية، شحوب وزرقة في الجلد، والأخطر شلل أو الدخول في غيوبة.

قد يتساءل القارئ لماذا قد يصاب الأطفال بمثل هذه المتلازمة، المحدثة بدورها، أضرارًا جسيمة قد تصل للوفاة. يجيب العلم أن السبب الرئيس في هذه المتلازمة هو أن عضلات الرضع بشكل عام تتميز برقتها وضعفها، حيث عرضت دراسة أمريكية رأي الدكتور شابيرو الذي قال إن أدمغة الأطفال الرخوة وعضلات الرقبة التي لم يكتمل نموها تجعلهم أكثر عرضة لتلف الدماغ إذا تعرضوا لهزّات قوية (3). وبالتالي، إذا تعرّض الرضيع إلى هز عنيف أو صدمة قوية للرأس، يتحرك دماغه الهش ذهابًا وإيابًا داخل جمجمته مسببًا هذه المتلازمة أحيانًا.

قد يُصاب الطفل في البداية بالمتلازمة، وتكون الأعراض البادية عليه بسيطة أو غير ظاهرة بوضوح مقلق، ولكن يحمل على المدى البعيد مخاطر وتشوهات دائمة، مثل الشلل الدماغي ومشكلات في السلوك والإدراك والتعلم والنمو.(2) الأخطر من ذلك، وكما عرضنا في المقدمة، أن بعض الدراسات أشارت أن ما يقارب 50% من الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 4 سنوات، والذين تعرضوا لهزة قوية أو صدمة عنيفة في الرأس، قد يموتون بمجرد بلوغهم سن 21 عامًا. من جانب آخر قد يُصاب أكثر من 50% منهم بالعمى الجزئي أو الكلي، و20% منهم ربما يحتاجون إلى تلقّي الغذاء عبر أنبوب تغذية. (3)

وحسب إحصائية أمريكية أولية فإن هناك ما بين 600 و1400 حالة في الولايات المتحدة سنويًا، وكما وصف المركز الوطني للمتلازمة في أمريكا أن هذه المتلازمة هي السبب الأكثر شيوعًا للوفاة والإعاقة طويلة الأمد عند الرضع والأطفال الصغار. (4)
في حين أشارت أخرى أن 1000-3000 طفل في الولايات المتحدة يعانون من المتلازمة كل عام، وربع المصابين يموتون، في حين أن 80٪ من الناجين يعانون من أضرار دائمة. أما عن تكاليف العلاج، ففي الولايات المتحدة، يمكن أن تتراوح التكاليف في المستشفى والرعاية المستمرة من 1.2 إلى 16 مليار دولار كل عام. (7)

| كيف يمكن تجنب هذه المشكلة؟

يمكن الوقاية من متلازمة هزّ الرضيع من خلال تجنب هز الطفل بعنف، سواء بغرض اللعب أو المزاح، أو بغرض تنفيذ وصايا الجدات، أو عن قصد في لحظة غضب. قد يشعر الوالدان، والأم تحديدًا، بالإحباط والتعب عندما لا تستطيع إقناع طفلها بالتوقف عن البكاء أو النوم، ومع ذلك يجب التحلي بالصبر ومحاولة البحث عن طريقة مناسبة دون الأذية الطفل بقصد أو غير قصد.

بالنسبة للطفل، وفي حال شعرت بوجود إصابة يجب مراجعة طبيب الدماغ سريعًا، والفريق الطبي بدوره يحدد مدى الإصابة والعلاج التأهيلي المناسب لها سواء كان طبيًا أو تأهيليًا. (6) مع العلم أن العلاج يختلف من طفل لآخر حسب كمية الضرر التي تعرض لها الدماغ، فبعض الأطفال المصابين بكسور قد يحتاجون إلى تجبير العظام، في حين قد يحدث لدى آخرين نزيف داخل الجمجمة مما يستدعي تدخلًا جراحيًا لعلاج النزيف.(3)

| المراجع

[1] Trends in shaken baby syndrome diagnosis codes among young children hospitalized for abuse. Conrad, A., Butcher, B., Oral, R., et al. Injury Epidemiology. July 2021.

[2] Shaken Baby Syndrome: Magnetic Resonance Imaging Features in Abusive Head Trauma. Cartocci, G., Fineschi, V., Padovano, M., et al. Brain Sciences. January 2021.

[3] خطأ قاتل يرتكبه الآباء دون قصد.. كل ما يجب معرفته عن متلازمة الرضيع المهزوز". 2021. Aljazeera.Net.

[4] "National Center On Shaken Baby Syndrome - Learn More". 2021. Dontshake.Org. https://www.dontshake.org/learn-more.

[5] Higuera, Valencia. 2016. "Shaken Baby Syndrome: Symptoms, Causes, And Treatments". Healthline. https://www.healthline.com/health/shaken-baby-syndrome#causes.

[6]A. Deutsch, Stephanie. 2021. "Abusive Head Trauma (Shaken Baby Syndrome) (For Parents) - Nemours Kidshealth". Kidshealth.Org. https://kidshealth.org/en/parents/shaken.html.

[7] https://www.health.ny.gov/prevention/injury_prevention/shaken_baby_syndrome/sbs_fact_sheet.htm