يحلّ المساء، تنسدل عباءة السماء ويغطي الليل الجميع. وبينما تُطفئ الأضواء، يفتح صغاري عيونهم على آخرها طلبًا لقصة ما قبل النوم. فأبدأ أنا باختيار قصة من قصص ما قبل النوم للأطفال. يومًا بعد يوم صار لدينا مخزون من الحكايات لا ينتهي، ينبع من خيالهم ويصب في قلوبهم.

أتذكّر حينما بدأت ذلك الطقس اليوميّ، كان صغاري ما زالوا أجنّة في رحمي، ثم رُضعًا، ثم كبروا وصاروا الآن يؤلفون حكاياتهم الخاصة ويلهمونني بالمزيد. لاحقًا سأسرد لكم كيف غيرت مساري المهني لأصير كاتبة قصص أطفال بدفعة من طفلتي الكبرى. أما اليوم، فسآخذكم معي في رحلة لنتعرف على سِحر وقت الحكايات قبل النوم، وكيف يتخطى الأمر كونه أكثر من مجرد وقت للاستمتاع وتحفيز للأطفال على النوم بهدوء.

توضح الدراسات العلمية أن وقت رواية القصص والحكايات للأطفال قبل النوم لا يُعد فقط وقتًا حميميًا بين الأطفال وآبائهم وأمهاتهم، بل هو وقت لتحفيز النمو والتطور الذهني والحسي لأقصى درجة لدى الطفل. يمكنني أن أخبركم بيقين أن الطفل الذي يُقرأ له منذ الولادة يتطور على نحو مذهل في مهارات الحديث والتعبير عن المشاعر لاحقًا.

وقت حميمي وترابط أسري

في عالمنا الآن حيث كل شيء سريع، أسرع مما نتخيل، تطير ساعات اليوم ما بين مسؤوليات المنزل والأبناء والعمل، يظل وقت ما قبل النوم هو أكثر وقت حميمي للأسرة معًا، أضف كتابًا لهذا الوقت، أحكي قصص ما قبل النوم للأطفال لصغارك، مرة واثنتين وعشرة، في كل مرة يتعلم صغارك شيئًا جديدًا وتزداد الرابطة بينكم.

أتذكر وقت الإغلاق التام المصاحب لجائحة كورونا حول العالم، كانت القصص هي منقذي الأول مع أطفالي، حكينا وألّفنا ومثلنا الكثير، ولكنني أتذكّر يوم قالت لي طفلتي بعين نصف ناعسة "ماما صوتك وأنتِ بتحكي بيطمني"، منذ ذلك اليوم أدركت أن الأمر يتخطى مرحلة الاستمتاع والتطور والتعلم، ليصل إلى السكينة والهدوء والترابط بين بعضنا بعضًا.

اقرأ أيضًا: العالِم الصغير: لنعلم أطفالنا مهارات التعلم أولًا

فتأثير حكاية قبل النوم يصل لتهدئة الأطفال من التوتر والقلق وصعوبات النوم ومخاوف الأحلام. جرّب أن تحكي لأطفالك حكاية كل يوم قبل النوم في روتين لطيف، اجعلهم يختارون حكايتهم المفضلة، ولاحظ بعد عدة أيام تأثير هذه العادة عليهم في كل شيء، وأولها علاقتكما ببعضكما بعضًا.

 قصص ما قبل النوم للأطفال: حب القراءة والتعلم

يُخزّن الطفل كل ما تقرأين عليه في عقله ويستخدمه في وقته المناسب عندما يبدأ في الكلام والتعبير عن نفسه. وراعي أن تقرأي له بلغة صحيحة تمامًا وصوت واضح ومسموع وجذاب، من دون تغيير في نطق العبارات بطريقة طفولية أكثر من اللازم. اذكري عليه مسميات الصور الحقيقية التي يراها في القصة.

 

الطفل الذي يُقرأ له يُمنح هدية الخيال، والخيال يفتح عالم على الإبداع، والإبداع يجعل طفلك قادرًا على حل مشكلاته وأكثر قدرة على التفكير المنطقي العقلاني بهدوء وتنظيم.

 

الطفل الذي كان لديه أصدقاء، عدة من الكتب وهو صغير، يكبر صديقًا حميمًا للكتاب والقراءة، وهو أكبر معروف يمكن أن تقدمه لطفلك؛ أن تمنحه مفتاحًا سحريًا ليحب القراءة، وينطلق لعوالم مختلفة، ويعيش حيوات كاملة تمنحه فوق عمره أعمارًا وفوق خبرته خبرات لا تُعد.

الأطفال الذين يُقرأ لهم منذ الصغر يكتسبون حصيلة لغوية كبيرة ومتنوعة، تمكنهم أولاً من التحدث في سن مبكرة، ثم القدرة على التعبير عن مشاعرهم بطريقة أفضل من أقرانهم الذين لم يتعرضوا للقراءة والحكي في مرحلة الطفولة، مما يجعل منهم أطفالاً واثقين بأنفسهم، متعاطفين مع الغير، ولديهم حس عالٍ بالمسؤولية. تتوسع مداركهم ويصبحون متميزين في البلاغة والأدب والكتابة لاحقًا في سنوات الدراسة.

اقرأ أيضًا: كيف تربي طفلك على حب القراءة؟

الطفل الذي يُقرأ له يُمنح هدية الخيال، والخيال يفتح عالم على الإبداع، والإبداع يجعل طفلك قادرًا على حل مشكلاته وأكثر قدرة على التفكير المنطقي العقلاني بهدوء وتنظيم. والآن تظل معضلة الأمهات، متى نبدأ بالقراءة لأطفالنا؟ وكيف نبدأ؟ اقرأي منذ هذه اللحظة، قصص ما قبل النوم للأطفال سواء كان عُمر طفلك يومًا أو ما زال جنينًا في رحمك، أو حتى كبر وأصبح في سن المدرسة أو الروضة. اقرأي لطفلك كل يوم، ولا تظني أنه لن يفهمك.

يُخزن الطفل كل ما تقرأين عليه في عقله ويستخدمه في وقته المناسب عندما يبدأ في الكلام والتعبير عن نفسه، بشرط أن تقرأي له بلغة صحيحة تمامًا وصوت واضح ومسموع وجذاب، من دون تغيير في نطق العبارات بطريقة طفولية أكثر من اللازم، اذكري عليه مسميات الصور الحقيقية التي يراها في القصة، وتأكدي أنه سيدهشك لاحقًا بنطقها صحيحة كما هي.

أتذكر أن طفلتي تعلقت بالقطط منذ صغرها، فشاهدنا وقرأنا الكثير من الكتيبات المصورة عن القطط، وفي عُمر العام ونصف العام، كانت أول كلمة نطقتها واضحة وصحيحة باللغة العربية الفصحى هي "قطة". لذلك؛ اقرأي بصوت مسموع متلون ليجذب انتباه طفلك، بلغة عربية صحيحة، وباختيار الكتاب المناسب للمرحلة العمرية لأطفالك كالآتي:

| الكتب الناعمة أو الكتب الأولى: وهي الكتب الخاصة بحديثي الولادة، وهي ليست كتب لتقرأ بالشكل المتعارف عليه، ولكنها تُعد بداية لبناء تواصل وتعريف الطفل على مفهوم كتاب. عادة تكون مصنوعة من مواد ناعمة قماشية أو محشوة بالأسفنج، أو من ورق مقوى. تصمم بألوان زاهية جذابة ورسومات جميلة يصبحها بعض جملة أو كلمة أو لا شيء فقط صور. يمكن أن يُضاف لها الأدوات التفاعلية كزرّ الأصوات لتقليد أصوات الحيوانات، أو عرائس الأصبح أو مرآة عاكسة أو جرس صغير وهكذا. في هذه المرحلة يتعرف طفلك إلى شكل الكتاب والصور، ويمكنك أن تكوني مؤلفته الخاصة كما يحلو لكِ.

اقرأ المزيد: " ابني لا يجيد القراءة والكتابة ": أين الخلل وما الحل؟

| الكتب اللوحية: وهي كتب تتكون من غلاف سميك، وأحيانًا تكون بقطع كبير أو صغير، تحتوي على نفس عناصر الجذب السابقة، ولكن مصحوبة بعبارات وجمل قصيرة، يمكن استخدامها مع الأطفال بدءًا من سن عامين إلى سن الروضة.

| الكتب المصورة: وهي الكتب في شكلها القصصي المتعارف عليه في مرحلة المدرسة الأولى قبل أن يتقن الطفل القراءة بمفرده، وعادة تحمل حكاية متسلسلة الأحداث يتفاعل الطفل معها وتقدم له شقًا ترفيهيًا وتعليميًا في آن واحد، بعضها يصنف كتبًا تفاعليه والبعض الآخر كتبًا يستمتع الطفل بقراءتها وتتوفر في مختلف المكتبات، تحتوي صور وكلمات بمساحات متساوية يكمل بعضها البعض.

 كيف تجذبين طفلك لقراءة الكتب؟

اسردي لطفلك الحلول وقفي في منتصف القصة لتسأليه عن الخطوة القادمة، وماذا يتوقع بها وماذا سيفعل إذا كان البطل؟ واجعلي زيارة المكتبة عادة دورية وأشركي طفلك في اختيار القصص وصنع مكتبته الخاصة، ابحثي له عما يرضي فضوله ويلاقي اهتماماته.

 احكي له باللغة التي يرتاح إليها ويفضلها، سواء كانت اللهجة المحلية أو اللغة العربية الفصحى أو اللهجات الأجنبية، وإن كان يُنصح دائمًا، ويفضل القراءة للطفل في سن الطفولة المبكرة باللهجة المحلية التي يتحدث بها الأهل في المنزل.

البعض لا يعرف تحديدًا كيف يجذب طفله لوقت القراءة، وكيف يروي قصص ما قبل النوم للأطفال، وهنا عليكِ أن تستخدمي سِحر الأم المبتكرة؛ أحضري عرائس الأصبع، أو تعرفي إلى طريقة تلوين الصوت وقت الحكي، أشركي طفلك في الأحداث واجعليه البطل. لا تسردي له الحلول وقفي في منتصف القصة لتسأليه عن الخطوة القادمة، وماذا يتوقع بها وماذا سيفعل إذا كان البطل؟

اجعلي زيارة المكتبة عادة دورية وأشركي طفلك في اختيار القصص وصنع مكتبته الخاصة، ابحثي له عما يرضي فضوله ويلاقي اهتماماته، احكي له باللغة التي يرتاح إليها ويفضلها، سواء كانت اللهجة المحلية أو اللغة العربية الفصحى أو اللهجات الأجنبية، وإن كان يُنصح دائمًا، ويفضل القراءة للطفل في سن الطفولة المبكرة باللهجة المحلية التي يتحدث بها الأهل في المنزل، ثم يتدرج في القراءة له باللغات الأجنبية والفصحى لاحقًا بمجرد قدرته على التحدث.

وأخيرًا، أتذكر دائمًا ذلك الاقتباس المُلهم عن قصص ما قبل النوم للأطفال وقراءة الحواديت لهم "طفولة بدون كتب لا تُعد طفولة، يعني ذلك أن تكون بعيدًا عن المكان المسحور (القصص) حيث يمكنك الذهاب والعثور على أندر أنواع الفرح" Astrid Lindgren.