بنفسج

حين يستنطق الفن التشكيلي ليحدثنا عن المرأة الفلسطينية

الأربعاء 06 يوليو

على مدار عقود من الكفاح، تجلّت صورة المرأة الفلسطينية في أعمال الكثير من رواد الأدب والشعر والفنّ، باعتبارها عنصرًا ثابتًا في قضية محورية لا تكتمل معالمها إلا بوجودها، وظهرت شامخة تحمل همّ الوطن، وتنجب من رحمها من يحملوه؛ فكانت أمّ سعد غسّان، وكانت خديجة درويش، وكانت فاطمة ناجي العليّ، وكانت الكثيرات غيرهنّ. الريشة إلى جانب القلم والبندقية، وسيلة من وسائل هذا الكفاح. ولذلك فقد اتجه الفنّ التشكيليّ بدوره إلى الانخراط في صفوف المقاومة حفظًا للهُوية، وصونًا للأرض، وجعل من تجسيد المرأة صوتًا يخترق من خلاله حدود الصّمت، وجسرًا يهدم عبره كلّ جدار يفصل بين الفلسطينيّ وترابه.

وقد جاءت صورتها في أغلب الأحيان انعكاسًا للهوية الفلسطينية واحتضانًا لها؛ تعبّر عن روافدها، وتغرس جذور الانتماء إليها، وتفتّش في مكامن محاولات الطمس والاغتصاب، فتمثلها عبر الزيّ التقليديّ، والعمل في الحقل الزراعيّ، وترسيخ معاني الثورة، وحب الأرض في نفوس الأجيال القادمة. ولعلّ هذا الفنّ التشكيليّ، إلى جانب غيره من وسائل الكفاح، هو ما أكسبها وجودًا دائمًا ممتدًّا عبر الزمن ما قبل عيد المرأة، وما بعده، ليروي مقتطفاتٍ من حكايتها، وينقل مشاهدًا من تحدياتها، ويبرز حضورها عبر الكثير من الأشكال التعبيرية التي تشهد على نضالها وترسم خيوط علاقتها بأرضها، وحقيقة تجاوزها لذاتها النسائية إلى مكانها ضمن مجتمع تعدّ هي جزءًا لا يتجزّأ منه.

 في هذا المقال نسلط الضور على حضور المرأة في الفن التشكيليّ الفلسطينيّ، ليكون جسرًا من واقع المرأة الفلسطينية إلى كل النساء في هذا العالم، باعتبار أنّ التحديات ذاتها ولو اختلف الإطار الجغرافيّ، وحاورنا  بعض الفنانين البارزين في الفنّ التشكيليّ الفلسطينيّ الذين جعلوا للمرأة حضورًا مركزيًّا في أعمالهم وهو ما أكسبها وجودًا دائمًا ممتدًا عبر الزمن.

| الفنان إبراهيم حجازي: المرأة تمثل الأرض والمسكن

تمثل المرأة بالنسبة للأستاذ إبراهيم حجازي الأرض والمسكن، ويتجلّى حضورها في لوحاته بفضل استخدامه لموتيفات ومدلولات بصرية وتعبيرية على حدّ قوله؛ إذ تنوعت الأساليب التي عكس بها حضور المرأة في أعماله، فأكسبت لوحاته تبعًا لذلك مشاعر متناقضة تتأرجح بين ألم الانتظار، وفرحة العرس المتوجّسة، والكثير من تعابير الوجوه الحزينة التي يصيغها الفنان بلمساتٍ متناغمة على إيقاع تجريديّ يجسّد تعابير حسيّة.
يرى بأنّ التحديات التي تواجهها المرأة كثيرة، تمسّ المجالات الاجتماعية عبر نضالها المتواصل من أجل تعزيز مكانتها في المجتمع، والارتقاء بها.

"حضور المرأة في الفن الفلسطينيّ يرتبط بالحدث السياسيّ والاجتماعي، فلها دور كبير في النضال ومقاومة الاحتلال". بهذه الكلمات يعكس لنا الفنان الفلسطينيّ إبراهيم حجازي تجليات المرأة في الفن الفلسطينيّ وعلاقة ذلك بدورها النضاليّ في المجتمع. الأستاذ إبراهيم من مواليد مدينة طمرة بالجليل الغربيّ، وهو محاضر ومهندس معماريّ، شارك بأعماله في العديد من المعارض المحلية والدولية. ويرى بأنّ التحديات التي تواجهها المرأة كثيرة، تمسّ المجالات الاجتماعية عبر نضالها المتواصل من أجل تعزيز مكانتها في المجتمع، والارتقاء بها، على غرار المجالات الاقتصادية التي تسعى فيها إلى إثبات وجودها من خلال التشارك مع الرجل في العمل والسياسة.

تمثل المرأة بالنسبة للأستاذ إبراهيم الأرض والمسكن، ويتجلّى حضورها في لوحاته بفضل استخدامه لموتيفات ومدلولات بصرية وتعبيرية على حدّ قوله؛ إذ تنوعت الأساليب التي عكس بها حضور المرأة في أعماله، فأكسبت لوحاته تبعًا لذلك مشاعر متناقضة تتأرجح بين ألم الانتظار، وفرحة العرس المتوجّسة، والكثير من تعابير الوجوه الحزينة التي يصيغها الفنان بلمساتٍ متناغمة على إيقاع تجريديّ يجسّد تعابير حسيّة.

لوحة الحصار حجازي
لوحة بعنوان "الحصار" للفنان إبراهيم حجازي

بين كل لوحة وأخرى، هناك نساء على أعتاب الانتظار القاتل، والفقد الأليم، والأنين الهادئ تارةً، الصاخب تارةً أخرى، مع نَفَس يكتنفه شيء من الغموض ليجعل لحكاية المرأة المصورة عنده في ذهن الرائي بقية، وامتدادًا إلى ما وراء صالة العرض، فيكسبه صفة الخلود. لوحة "وجوه حزينة" تمثل النساء الفلسطينيات الثاكلات أمهات الشهداء الذين سقطوا دفاعًا عن الوطن. استخدمت الأسلوب التعبيريّ في إبراز مشاعر الحزن لهؤلاء النساء"، يروي الأستاذ إبراهيم حكاية لوحته المذيلة بعنوان "وجوه حزينة" التي تصوّر ثلاث نساء بتقاسيم متعبة، حزينة، وأعين مغمضة تبدو عليها آثار المآسي. هي إذن حكاية كلّ امرأة فلسطينية، دفنت ولدها فداءً للوطن.

لوحة الانتظار حجازي
لوحة بعنوان "شباك الانتظار" للفنان إبراهيم حجازي

في لوحته "شباك الانتظار"، تتجلّى صورة المرأة ذات الرداء الأخضر بشكل مركّز وواضح جدًّا، يبرز نظراتٍ لا تزال محمّلة بالأمل وشيء من الابتسامة رغمًا عن ألم الانتظار، محاطة بعدد من الأطفال الذين يبدون في حالة من الترقّب والتطلّع. هل الأطفال هنا بذرة للأمل؟ ربّما. سألت الفنان إبراهيم عمّا تنتظره هذه المرأة في اللوحة، وما تنتظره النساء في فلسطين عمومًا. "لوحة شباك الانتظار تمثّل انتظار عودة اللاجئين، والأسرى إلى البيت، تمثل الوطن في حالة ترقب. الشباك يمثل المنظار الذي من خلاله نتواصل مع الخارج، اللون الأخضر يرمز إلى الأمل". لعلّه الأمل ذاته الذي قال عنه "درويش" بأنّه يأتي ويذهب، لكنّه... لن يودعه.

تبدو الملامح مختلفة في لوحة "الحصار"؛ إذ تنعكس خلفية الفنان كمهندس معماريّ بشكل بارز ويتّضح مدى تأثره بها. هناك دمج بين خطوط عمودية وأفقية أنتج أشكالًا هندسية هي أشبه ما تكون بإطارات النوافذ، أو البنايات المعمارية، التي جاءت كتتمة للأسلوب التجريديّ الغالب على اللوحة، مع الاستعانة بألوان تتمايز بين الحرارة والبرودة في خلط عنيف، صاخب، يعكس صدى صراخ النسوة، وقهرهنّ.

لوحة عرس حجازي
لوحة "عرس" مستوحاة من لوحة " العشاء الاخير" للفنان الايطالي ليناردو دافينشي، في مركز اللوحة يدور حوار نسائي، والتنبؤ حدوث المعاناة

"لوحة الحصار تمثل الحصار المستمرّ على قطاع غزّة"، يقول الأستاذ إبراهيم عن هذه اللوحة التي تبرز فيها النسوة أكثر من غيرهنّ، ويشرح ذلك مضيفًا: "وجوه النساء أكثر من غيرهنّ لأنّ معاناة المرأة الفلسطينية ضعفيّ معاناة الرجل، فهي الأمّ، البيت، الأرض...". تجربة الفنان إبراهيم حجازي التصويرية للمرأة تتّسم بالالتزام بقضايا الوطن، والاتجاه نحو الأسلوب التعبيريّ التدريجيّ الذي يتخذ من التكوين الهندسيّ المنتظم في أغلب الأحيان تربةً له، ويوصل رسائل منفصلة عن نطاق الزمان والمكان، ذاتُ أثر، وامتداد دائم.

|المرأة عند الفنانة روان عناني: رمزٌ للوطن!

الفن بالنسبة للفنانة روان عناني وسيلة لنشر الثقافة والجمال، إضافة إلى التراث الفلسطينيّ الفريد الذي يتجلّى بوضوح في أعمالها. هناك من يحافظ على تراثه بالقلم، وهناك من يتخذ من المرسم منطلقًا لذلك، ويبدو أن روان سلكت الطريق الثاني، وجعلت من المرأة عنصرًا بارزًا في جميع لوحاتها.
 
تشرح روان سبب اختيارها للمرأة كموضوع لفنّها فتقول: "أرى أن المرأة الفلسطينية هي رمز الصمود والتضحية، وهي رمز للوطن. كما أن الثوب الفلسطينيّ الذي ترتديه المرأة هو ثوب فريد وجميل بمطرزاته، وأشكاله الهندسية الرائعة تعبر عن تراثنا الغنيّ الذي أحب أن أرتكز عليه في لوحاتي".

هناك تجسيد بديعٌ لصور نساء من كلّ شبر في فلسطين: من حيفا وعكّا والبيرة، والقدس، واللّد... ومن النهر إلى البحر. نساءٌ بالثوب التقليديّ الفلسطينيّ، متشبّعات بالهويّة، متشرّباتٍ لأصالة هذا الوطن، يبدو حضورهنّ في كل لوحة مختلفًا عن غيره، وتبرز صورهنّ جليّةً في مقدمة المشهد، متصدّرةً الطابع المعماريّ الخاصّ بكلّ مدينة، بلمسات تبرز وحدة الجوهر (المرأة) مع اختلاف ملامح المدن، وتكسب لوحاتها الفنيّة صوتًا صادحًا يقول كما قال فاروق جويدة: "لماذا أراكِ على كلّ شيء كأنّك في الأرض كل البشر..كأنّك درب بغير انتهاء وأنّي خلقت لهذا السّفر".

ولهذا السّفر بدورها، خلقت روان. تعرّف نفسها بأنها فنانة فلسطينية من مواليد القدس، وتقول: "ترعرعتُ في بيت فنيّ مليء بالألوان والأعمال الفنيّة"، ثمّ سرعان ما تعزّي فضل حبها للفن إلى والدها الفنان "نبيل عناني"، ولأن من شابه أباه فما ظلم، فقد كانت دائمة المراقبة له في مرسمه المليء بالألوان الزيتية والخامات الفنية الجميلة على حدّ تعبيرها، تحاول السّير على أثره خطوةً خطوةً إلى أن جسّدت شغفها عبر حضور فعليّ بدأ سنة 2013 "كانت أعمالي إيكريلك على قماش، ومن ثمّ انتقلت إلى الألوان المائية حيث وجدت نفسي أكثر للتعبير عن ذاتي على ورق".

لوحة روان نوافذ
لوحة نوافذ القدس للفنانة روان عناني

الفن بالنسبة لروان وسيلة لنشر الثقافة والجمال، إضافة إلى التراث الفلسطينيّ الفريد الذي يتجلّى بوضوح في أعمالها. هناك من يحافظ على تراثه بالقلم، وهناك من يتخذ من المرسم منطلقًا لذلك، ويبدو أن روان سلكت الطريق الثاني، وجعلت من المرأة عنصرًا بارزًا في جميع لوحاتها. تشرح روان سبب اختيارها للمرأة كموضوع لفنّها فتقول: "أرى أن المرأة الفلسطينية هي رمز الصمود والتضحية، وهي رمز للوطن. كما أن الثوب الفلسطينيّ الذي ترتديه المرأة هو ثوب فريد وجميل بمطرزاته، وأشكاله الهندسية الرائعة تعبر عن تراثنا الغنيّ الذي أحب أن أرتكز عليه في لوحاتي".

تدمج روان في لوحاتها بين العمارة الفلسطينية العريقة، والثوب الفلسطينيّ الذي يقصّ تفاصيل الحكاية، وترسم المرأة في الطليعة لتجمع بين الاثنين، فتكتسي ثوبها، وتدافع عن آثار أرضها من النهب والاستلاب؛ لتصوّر بأسلوب تعبيريّ بديع وألوان ساحرة مشهدًا آخر لفلسطين، شديد الاختلاف عمّا سبقوه، عمارته البيوت والأزقّة الضيقة، والمساجد، والكنائس، وعمرانه النّسوة بثوبهنّ التقليديّ، كلّهم باقون ما بقي الزعتر والزيتون.

لوحة روان ليلة سعيدة
لوحة بعنوان "ليلة سعيدة" للفنانة روان عناني

"أودّ أن أؤكّد على أنّ المرأة الفلسطينية هي عنوان للتراث الفلسطينيّ، وذلك بتمسكها بلباسها القديم الذي لم تتخلّى عنه يومًا رغم التحديات" تجيب روان، ثمّ تضيف: "هي التي تزال تطرز ثوبها الفلسطينيّ وتلبسه لبناتها فهذا عنوان حقيقيّ لعراقة شعبنا وتمسكّه بترابه". تستمدّ روان إلهامها في رسم النساء وأثوابهنّ من كتب التطريز الفلسطينيّ على حدّ قولها، كما تجعل من الطبيعة والأرض المتعلّقة بفلسطين مصدرًا لأفكار لوحاتها، التي ترتكز بشكل كبير على شجر الزيتون الصّامد أكثر من غيره، باعتبار قدسيته في هذه الأرض التي ارتبط وجود أقدم شجرة زيتون بها، ودلالته الرمزية على حقّ العودة، الحق الذي لا يسقط بالتقادم، ولا يلغيه تجبّر ظالم.


اقرأ أيضًا: نسيج في الذاكرة: الثوب الفلسطيني يروي الحكاية


سألتُ روان عن الصوت الذي أرادت إيصاله من خلال هذه اللوحة التي حملت عنوان: "ليلة سعيدة ـ غزة 2021" والتي تبدو ملفتةً من خلال تصوير المرأة في قارب يرسو وسط البحر "هذه اللوحة تظهر فيها امرأة تنام بسلام في منتصف البحر، ومدينة غزة بالخلف وضوء القمر الذي يعطي النور والدفء لهذا الحلم الذي يحلمه الفلسطينيون في غزة وفلسطين بشكل عام" تجيب روان، مضيفةً بأنّ المرأة هي التي تعبر عن أبناء هذا الوطن وعن حلمهم في العيش بسلام وطمأنينة بعيدًا عن أصوات الرصاص.

| المرأة عند محمد  الشريف: الرّحم التي تنجب الثائرين!

يقول الفنان محمد الشريف: "أرسم المرأة بثوبها المطرز الذي يمثل جماليات الهوية الوطنية والتراثية، ويروي سيرة المكان والإنسان، بأصالته وانتمائه وعطائه". كما يُكسب المرأة تعريفًا يرتبط برمزية الأرض المقدّسة فيسمّيها "حارسة الأقصى والقدس".
 
والفنّ بالنسبة له بوابة عبور فكرة ما نحو العالم، وترجمة لأحاسيس داخلية تعبّر عن قضيّة عادلة تتلاشى من خلالها المسافات التي تفصل بين الثقافات والحضارات المختلفة، ولذلك تركّز لوحاته من جهة أخرى على حقّ العودة، والتشبث بالأرض، لتكون صوتًا للقضية.

يتّخذ الفنان محمد أحمد الشريف من حكايا الأجداد، وأعمال الأدباء مسرحًا يمثّل على خشبته قطعًا من فنّه، ويمنح المرأة فيه الدّور الرّئيس. التعابير هنا شديدة الوضوح على وجهها، تكتنف حرقةً شديدةً، وصبرًا، وتمسّكًا وثيقًا بهذه الأرض المثخنة بالجراح، المثقلة بالخذلان. يعرّف الأستاذ محمّد فنه بكلمات جامعة فيقول: "أعمالي تتحدّث عن عشق أبديّ لشعب يتجذر في أرض مغمورة بحلم العودة ونظرة الأمل بالحرية نحو الوطن الجريح، ونظرة عشق لغد أجمل".

ويهدف من خلاله إلى توثيق الحالة الفلسطينية بمختلف ملامحها ومكنوناتها، بدءًا من التراث المشتمل على الحكايا، والعادات، والذكريات، وصولًا إلى مزيج المشاعر الذي يتأرجح بين الأمل والألم، وبين اليأس، والانتظار. يُعرف الأستاذ محمّد عن نفسه من مواليد مخيّم جباليا، ويعمل كأخصائيّ في التحاليل الطبية. تعلّم الفنّ بالممارسة، كما تلقّى دورة تدريبية في جمعية الشبان المسيحية في التصوير الزيتيّ، وترتكز معظم أعماله على أسلوب الرسم بالحرق على الخشب، مع الاستعانة في بعض الأحيان بألوان وأصباغ أخرى وفق تقنيات مختلفة. وقد شارك في عدّة معارض فنية محلية ودولية.

لوحة احمد الشريف
لوحة للفنان محمد الشريف تبين المرأة الفلسطينة المرابطة

والفنّ بالنسبة له بوابة عبور فكرة ما نحو العالم، وترجمة لأحاسيس داخلية تعبّر عن قضيّة عادلة تتلاشى من خلالها المسافات التي تفصل بين الثقافات والحضارات المختلفة، ولذلك تركّز لوحاته من جهة أخرى على حقّ العودة، والتشبث بالأرض، لتكون صوتًا للقضية، وفي هذا يقول: "إننا أصحاب حقّ، وندافع عن قضية عادلة ومقدّسة لأرض باركها الله في كتبه المقدّسة، وتتحدث أعمالي عن حق العودة والتشبث في الأرض وعدم التفريط بها، ولأنّ الفن رسالة سامية تختصر المسافات وتقرّب بين الحضارات والثقافات، وهي الأكثر تأثيرًا في المشاعر والأحاسيس، والأكثر ارتقاءً بالذائقة الجمالية عند المتلقين".

أمّا المرأة في فنّ الأستاذ محمّد، فذات حضور بارزٍ يعرّف نفسه بمصطلحات، وأدوار تتغيّر بتغيّر السياق، والحاجة. فهي تارة أمّ شهيد ثكلى، وتارة أخرى أمّ أسير تنتظر، وهي الصابرة، المرابطة، المشاركة في العمل الاجتماعيّ، والسياسيّ، والحارسة للأقصى، وهي فوق كلّ هذا الرّحم التي تنجب الثائرين على حدّ تعبيره، ويجسّدها بمختلف حالاتها الشعورية، التي تنعكس في تعابير وجهها، وتقاسيمه، متباينة بين الهدوء، والألم، وحدّة النظرات، ونَفَسِ التحدّي، وتعب الانتظار. "تعتبر المرأة رمزا للوطن، والأرض والكرامة بشكل يتفاعل مع الواقع السياسيّ والأحداث التاريخية، وهي الرّحم التي تنجب الثائرين وتربّيهم وتحفزهم، وتدعمهم في مسيرة الكفاح، وترضعهم العزّ والكرامة، والتشبث بالأرض".

لوحة الشريف
لوحة فنية للفنان محمد الشريف

ولأنّ الثوب التقليديّ علامة رسوخ وثبات في الأرض رغما عن الظروف، فقد أكّد الفنان محمد لبنفسج على جزئية رسمه للمرأة الفلسطينية مرتديةً له ليعكس عبره الهوية الوطنية، ويروي سيرة الإنسان وأرضه. يقول الفنان محمد: "أرسم المرأة بثوبها المطرز الذي يمثل جماليات الهوية الوطنية والتراثية، ويروي سيرة المكان والإنسان، بأصالته وانتمائه وعطائه". كما يُكسب المرأة تعريفًا يرتبط برمزية الأرض المقدّسة فيسمّيها "حارسة الأقصى والقدس"، ويقول: "ستبقى هي بوصلتنا جميعا، تجمعنا تحت جناحيها، ونعدها بأن نبقى لها أسوارًا منيعة لحمايتها وتحريرها".

| الفنانة سوزان جمعة لبنفسج: المرأة الفلسطينية امتداد للغد

 
تعتبر الفنانة الأردنية من جذور فلسطينية، سوزان جمعة، الرّسم بمثابة شغف لها، وتجعل من تجسيد ما يتعلق بفلسطين أسمى مطالب ذلك الشغف. لوحة "فلسطينية" هي أول بورتريه في الألوان الزيتية كما جاء في تصريحها.  تقول: "كنّا مجموعة من الفنانين نرسم تحت إشراف أحد المبدعين وقد اختار الجميع صورًا للوحاته، لكنّي لم أفعل لأنّ تلك المرأة بكل ما فيها من قوة وعنفوان كانت واضحة وراسخة هي وكلّ فلسطين في قلبي وفي عقلي وحتى في خيوط ثوبها نرسم حكايا وطننا".

تعتبر الفنانة الأردنية من جذور فلسطينية، سوزان جمعة، الرّسم بمثابة شغف لها، وتجعل من تجسيد ما يتعلق بفلسطين أسمى مطالب ذلك الشغف. تقول بأنّ الرسم لم يكن وليد اللحظة، فقد بدأت في ممارسته منذ طفولتها وتحديدًا في سنّ العشر سنوات، لكنّها لم تتوقف منذ ذلك الوقت، وحرصت على تطوير مهارتها من خلال التعلم الذاتيّ والممارسة والدورات، إلى أن أقامت أول معرض شخصيّ لها عام 2014 في مدينة الزرقاء بالأردن.

ولعلّ ترعرعها في بلدان مختلفة من الشام بين الأردن وسوريا ولبنان هو ما أكسبها خلفية دمجت من خلالها بين معارف مختلفة، وساهمت بها في تعليم هذا الفن في مراكز عدّة، إضافة إلى توصيل رسالته السامية إلى حيّز أوسع عبر المعارض المحلية والدولية.

لوحة سوزان جمع
لوحة "فلسطينية" أول بورتريه بالألوان الزيتية للفنانة سوزان جمعة

لوحة "فلسطينية" هي أول بورتريه لسوزان في الألوان الزيتية كما جاء في تصريحها.  تقول: "كنّا مجموعة من الفنانين نرسم تحت إشراف أحد المبدعين وقد اختار الجميع صورًا للوحاتهم، لكنّي لم أفعل لأنّ تلك المرأة بكل ما فيها من قوة وعنفوان كانت واضحة وراسخة هي وكلّ فلسطين في قلبي وفي عقلي وحتى في خيوط ثوبها نرسم حكايا وطننا"، فشخصية المرأة الفلسطينية القوية، والمتمسّكة بثوبها التقليديّ هي التي تكسب أهمية لتجسيد بورتريه المرأة الفلسطينية على حدّ قول سوزان، لأنّ المرأة الفلسطينية هي بشكل أو بآخر انعكاس للقضية. وتختم سوزان ملحمة المرأة الفلسطينية بكلمات معبّرة قائلةً: "المرأة الفلسطينية جذور الأرض، وامتداد للغد، وحكاية وطن في ملامح وجه ونظرة عينين".