بنفسج

"الجوجيتسو".. حلمُ اليمَان نحو العالمية

الثلاثاء 11 أكتوبر

السابعة صباحًا، وشروقٌ يطلُّ من أيام آذار الهادئ، أمَّا السَّماء فيبدو أنَّ لها رأيًا آخر، فالأمطار قد زارتنا بدءًا من قبَّتِنا الصفراء وصولًا إلى رام الله، لكن لا بأس فقد وَرِثْنا عن جدَّاتنا فالَ الخير إذا أمطرت، وهذا ما استندت إليه يمان في ذلك اليوم، بعد ركعتين حاجةً لله ودعواتٍ حنونة من والدتها، وأخيها الذي شدَّ على يديها قائلًا: "لا يليق بكِ إلا المركز الأول يا فخرنا". احتضنت يمان هذه الأمنيات، وانطلقت بالسيارة التي استأجرتها من الجسر إلى العاصمة الأردنية حيث ستُقام بطولة المملكة الأردنية "للجوجيتسو"."

لقد أصبح الحلم قاب قوسين أو أدنى، ووصلت يمان إلى عمّان لتُتَوَّج بالميدالية البرونزية -بجدارة- بناءً على رأي لجنة التحكيم، فكانت هذه أول مسابقة تشارك فيها يمان خارج حدود دولة فلسطين. من هي يمان؟ هذا السؤال الذي قد يظنُّ القارئ أنه سؤالٌ اعتيادي، يسأله الصحفي لشخصيتِه المحاوَرة، لكنَّ الهدفَ كان أكبرَ من ذلك، فالطَّاقةُ التي لمستُها بصوت يمان جعلت الحوار أقرب إلى قصةٍ بين صديقين تعرّفا قبلَ دقائق، فأصبحت الماورائيات عنوانَ حديثنا دون خجل.

أيكونُ المرءُ خصمَ نفسه؟!

دخلت يمان إلى عالم الرياضة منذ نعومة أظفارها، فقد تميَّزت بين أقرانها في المدرسة بشغفها الكبير للرياضة، ومشاركتها بمسابقات مختلفة، مثل مسابقة الجري التي حصدت فيها المركز الأول على مستوى رام الله، والمركز الثالث على مستوى الضفة الغربية لثلاث أعوامٍ على التوالي.
 
 ورغم أنَّ النشاط الرياضي ليمان قلَّ بعضَ الشيء عند التحاقها بقسم المحاسبة في الجامعة، إلَّا أنَّ عيناها كانتا تلمعان نحو رياضةٍ مختلفة، لم يسبق لفتاةٍ في فلسطين أن فكَّرت فيها وهي رياضة "الجوجيتسو". هذه الرياضة لها قوانينها ومبادئها. تُعرَف أيضًا بالرياضة الفاتنة، وتعتمد على تركيز العقل من أجل توظيف طاقة المُهاجِم والاستفادة منها بدلًا من مقاومته، وهي بخلاف الكثير من الرياضات تركِّز على المرونة البدنية والانضباط الذاتي.

هذه يمان موسى، تعودُ بنا إلى ميلادِ حكايتها لتبدأ التعريف بفلسطينيتها وكأنَّها تأبى هروبَ النِّية الأولى التي عقدتها في طريقها. دخلت يمان إلى عالم الرياضة منذ نعومة أظفارها، فقد تميَّزت بين أقرانها في المدرسة بشغفها الكبير للرياضة، ومشاركتها بمسابقات مختلفة، مثل مسابقة الجري التي حصدت فيها المركز الأول على مستوى رام الله، والمركز الثالث على مستوى الضفة الغربية لثلاث أعوامٍ على التوالي، ورغم أنَّ النشاط الرياضي ليمان قلَّ بعضَ الشيء عند التحاقها بقسم المحاسبة في الجامعة، إلَّا أنَّ عيناها كانتا تلمعان نحو رياضةٍ مختلفة، لم يسبق لفتاةٍ في فلسطين أن فكَّرت فيها وهي رياضة "الجوجيتسو".

ومن هنا، اختلفت الكثير من الموازين أمام يمان، فالقرار لم يكن سهلًا، كان عليها أن تُدرِكَ الصعوبات قبل أن تخطو خطواتها الأولى في عام 2017، فهذه الرياضة لها قوانينها ومبادؤها. تُعرَف أيضًا بالرياضة الفاتنة، وتعتمد على تركيز العقل من أجل توظيف طاقة المُهاجِم والاستفادة منها بدلًا من مقاومته، وهي بخلاف الكثير من الرياضات تركِّز على المرونة البدنية والانضباط الذاتي والهدوء والصبر الطويل لقياس نقاط ضعف الطرف الآخر.


اقرأ أيضًا: "بنت وبتلعب كاراتيه؟": ضحى بشارات وإرث الفنون القتالية


بدأت يمان رياضة "الجوجيتسو" مع زميلةٍ لها تحت إشراف المُدرِّب أحمد خُفَّش، حيث أنه كان أول من أدخل هذه الرياضة إلى فلسطين، وبدوره اقترح على يمان الالتحاق بهذه الرياضة، وأُسس فريق خاص بالإناث، لكنَّ شروط هذه الرياضة من الصبر الطويل والتركيز التام كانت صعبةً أمام باقي المُتدرِّبات؛ ممَّا جعلهنَّ يستسلمن من بداية الطريق لتبقى يمان وحدها في كثيرٍ من محطات التَّدريب، وهنا كانت بداية التَّحدي أمام يمان.

كان عليها أن تتدرب وحدها لفتراتٍ طويلة حتى قررت أحد الفتيات الانضمام إلى الفريق لمدة محددة، لكنَّ يمان وجدتها فرصة جيدة لتُطبِّق كل ما تعلّمته خلال الفترة الماضية، إلى أن شجعها مدربها للذهاب إلى عمَّان، والتدريب برفقة فريق رياضي أُرْدُني خاص بالإناث. تذكر يمان تلك الأيام جيدًا، وتعود بذاكرتها لأيامٍ حفظتها عن ظهر قلب، قائلةً: "عندما قررتُ أن أخوضَ تجربة السَّفرِ إلى عمّان، كنتُ أعرفُ أنها البداية الحقيقية للوصول إلى حلمي، والأجمل من ذلك نظرات الفخر التي رأيتُها في عيون عائلتي، فكان عهدًا عليَّ أن أعود بالحزام الأزرق، مهما كان الطريقُ صعبًا".

| لقبٌ بأمانةٍ كبيرة

inbound2165736159151674222.jpg
اللاعبة يمان موسى مع زملائها

وضعت يمان الهدف أمام عينيها، وحصدته بالجَلَدِ والصَّبر والعزيمة، فكانت أول فتاة تُتَوَّج بالحزام الأزرق في فلسطين. ولم يتوقف طموح يمان عند هذا النجاح، فمن يذق طعم الوصولِ مرَّةً لا يتوانى لتذوقَ حلوِه مرةً أخرى. ويا حلاوةَ ما ظفرت به يمان عندما حصلت على لقب أول مدربة في فلسطين عام 2021. وهذا اللقب جعلها تأخذ على عاتقها أمانةً أكبر، لتكون المُلهمة الأولى للفتيات اللواتي طالما حلِمنَ بهذه الرياضة، وكان يحول بينهن وبين حلمهن عدم وجود مركز رياضي خاص للفتيات فقط، وكأنَّ يمان كانت تملك لهنَّ مصباح علاء الدين، فأُسس أول فريق خاص للإناث في رياضة "الجوجيتسو" بدعم من نادي "بال جيتس" الفلسطيني.

طريقٌ كهذا الطريق، ونجاحٌ يُرفَع في سيرة يمان بلقب "الأول" في كل شيء، لا بُدَّ أنَّ هناك وجهٌ آخر في مرآة الرحلة لا يعرفه سوى صاحبه؛ مغامرات، تحدِّيات، وربما تراجعٌ في غير وقت، كلُّها عثرات تقف بسيوفها في وجه الطّموح، فهذا قانون الحياةِ أمام من يريد العُلا، فلا حلاوةً لطعمِ التمر دون لعق الصبر، فماذا عن يمان؟

"كنتُ أحاولُ دائمًا أن أتمسك بالأمل، فأول مرة انسحبت زميلتي من الفريق ولم يبقَ سواي، وبطبيعة الحال كنت أعرف أنني لن أتمكن من إيجاد زميلةٍ أخرى، كنتُ أُذكِّرُ نفسي أنَّه وقتٌ جيد لمتابعة كل ما يتعلَّق بـ"الجوجيتسو" نظريًا وتطبيقه بيني وبين نفسي، ولم أفقد شغفي أبدًا فقد كنتُ عنيدةً لأجل الوصول.

تسكتُ يمان وكأنها حقًّا لم تفكر من قبل بسؤالٍ كهذا، فعزيمتها جعلت كل المصاعب والتَّحديات أشبه بخصمٍ سيُهزم لا محال، تتابعُ يمان: "كنتُ أحاولُ دائمًا أن أتمسك بالأمل، فأول مرة انسحبت زميلتي من الفريق ولم يبقَ سواي، وبطبيعة الحال كنت أعرف أنني لن أتمكن من إيجاد زميلةٍ أخرى، كنتُ أُذكِّرُ نفسي أنَّه وقتٌ جيد لمتابعة كل ما يتعلَّق "بالجوجيتسو" نظريًا وتطبيقه بيني وبين نفسي، ولم أفقد شغفي أبدًا فقد كنتُ عنيدةً لأجل الوصول. ليس هذا فحسب، كان سؤال الناس المتكرر "بنت وبتلعب "جوجيتسو"؟ شو حتستفيدي من رياضة مش موجودة أصلًا؟". بمثابة نكتة أضحكُ عليها، وأجيبهم: "بأمِّن على حالي عند الحواجز، وبصير عندي هيبة ما حد يقرِّب مني بخطوة".

تتابعُ بيان وهي تستذكر بعضًا من الأحداث المؤثرة: "لم يكن من السَّهلِ أبدًا سفري للمرة الأولى إلى عمَّان للحصول على بعض الدروس في "الجوجيتسو"، فقد أدركتُ حينها أنَّه لا بُدَّ من المسافات الطويلة، وقضاء طريقي تحت زخات المطر الباردة، وأنا أكبحُ دقَّات شوقي لعائلتي وصديقاتي، لكنَّ صوت تصفيقهم كان رسالةً من المستقبل لِأترك رام الله وأمضي نحو نور الحلم".

 | صوتِ حرائر فلسطين وقودُ اليمان

تقول يمان في هذا: "تعيش المرأة الفلسطينية في ظروفٍ مختلفة عن أي امرأة في العالم، فجنود الاحتلال يترصَّدون لهنَّ من كل جانب ظنًّا منهم أنهنَّ فتيات ضعيفات، لكن بعد التحاق العديد من الفتيات بدروس "الجوجيتسو" أصبحن يعبرن الحواجز بثقة، بل انعكست الآية، وأًصبح الجندي يهابُ الفلسطينية الرياضية، بمجرد معرفته أنها تُجيدُ رياضة "الجوجيتسو".
 
تتميَّز مواقع التواصل الاجتماعي الخاصّة بيمان بوجود الكثير من صور الشهداء والأسرى الفلسطينيين، وتحرصُ باستمرار على نشرِ كلِّ ما يتعلَّق باعتداءات الاحتلال الإسرائيلي على الفلسطينيين.

مرةً أخرى عدنا في حديثنا إلى فلسطين، إلى القضية التي لا نهربُ منها ولا تهربُ منَّا، فحديثٌ دون ذكر أمِّنا الكبرى هو حديثٌ مبتور الأمل. ترى يمان أنَّ الشَّغف الذي انطلقت به نحو "الجوجيتسو" أساسه القضية الفلسطينية، فالاعتداءات التي تتعرَّض لها النساء الفلسطينيات من جنود الاحتلال الإسرائيلي خاصةً على الحواجز، دفعت يمان لاتَّخاذ هذه الرياضة وسيلةً للدِّفاع عن نفسها، وتشجيع الكثير من زميلاتها للالتحاق بدروس "الجوجيتسو".

تقول يمان في هذا: "تعيش المرأة الفلسطينية في ظروفٍ مختلفة عن أي امرأة في العالم، فجنود الاحتلال يترصَّدون لهنَّ من كل جانب ظنًّا منهم أنهنَّ فتيات ضعيفات، لكن بعد التحاق العديد من الفتيات بدروس "الجوجيتسو "أصبحن يعبرن الحواجز بثقة، بل انعكست الآية، وأًصبح الجندي يهابُ الفلسطينية الرياضية، بمجرد معرفته أنها تُجيدُ رياضة "الجوجيتسو".

inbound8076438942534610355.jpg
يمان موسى مع الأصدقاء بعد فوزها بأحد المباريات

تتميَّز مواقع التواصل الاجتماعي الخاصّة بيمان بوجود الكثير من صور الشهداء والأسرى الفلسطينيين، وتحرصُ باستمرار على نشرِ كلِّ ما يتعلَّق باعتداءات الاحتلال الإسرائيلي على الفلسطينيين، فهي ترى أنَّ صوتها اليوم لم يعُد في دائرة دولتها فحسب، بل أصبح لديها متابعين وأصدقاء من دولٍ مختلفة يتابعون ويشاركون ما تكتبه يمان.

امرأةٌ نَهِمة في دروب السعي مثل يمان، تُدرِكُ قُدراتها جيدًا، عنقاء في طموحها، تعرِفُ كيف ترتِّبُ خطواتها للصعود نحو درجِ الحياة، اليوم تتجهَّزُ يمان لرفع علم فلسطين في مسابقاتٍ دولية، بدءًا من معسكراتٍ تدريبية في دبي وصولًا إلى بطولةٍ في البرازيل في أيلول القادم.

لا تتوقَّف يمان عند هذه البطولات، بل إنَّها تُذكِّرُ نفسها دائمًا أن الطريق مازال طويلًا، تسيرُ في زقاقهِ تسمعُ صوتَ روحها في كلِّ مرةٍ تواجه تحدِّيًا جديدًا، وتعقدُ صفقةً مع أحلامها لأن يصبحَ اسمُها بجانب أسماء اللاعبين العالميين، فلا شيء مستحيل أمام مُحارِبةٍ تعرف قوانين معركة الوصول. هذه يمان الفلسطينية في حوارها الأول مع "بنفسج" وليس الأخير، فابتسامتها رحَّبتْ بنا ثقةً لحوارٍ قادم وهي تتوَّجُ بالمركز الأول في البطولات العالميةِ القادمة.