بنفسج

جدار الفصل العنصري: البيت الذي أحاله الاحتلال سجنا

الخميس 10 نوفمبر

على حدود جدار الفصل العنصري يقف شامخًا، متحديًا، متصديًا للاحتلال بعزيمة وإصرار منذ اثني عشر عامًا يعيش حياةً مختلفة عن بقية العالم، فهل ترى بيتًا مدخله بوابة إلكترونية مغلقة داخل نفق يحتاج الزائر فيه إلى تنسيقٍ أمني؟ في هذا المنزل قصةُ من قصص الصمود والثبات يضربها الفلسطيني عمر حجاجلة (57 عامًا) من قرية الولجة غرب مدينة بيت لحم.

عام  2010 في الوقت الذي كان جدار الفصل العنصري يلتهم الأراضي الفلسطينية بوحشيةٍ وتعنت، ويفصل بين المدن والقرى والعائلات والجيران والذكريات دون أدنى اهتمام، كان بيت عمر حجاجلة يعترض خطة سير بناء الجدار، حيث يقع خلف الأرض المجاورة تمامًا له، لتتوجه مجموعة من مسؤولي الاحتلال وتعرض على عمر المساومة على بيته وأرضه مقابل مبلغٍ ماديٍ مفتوح يحدده لبيع الأرض، أو تبديله بأرضٍ أخرى في بيت لحم، أو تأجير المنزل، لكن رفض عمر كان سريعًا وقاطعًا أنه لن يتنازل عن شبرٍ واحد من أرضه، وأنه لن يخرج هو وأسرته من بيته مهما كان حجم العرض. 

كشف الاحتلال عن وجهه سريعًا وبدأ في مواجهة عمر بأسلوب التنكيل والترهيب، حيث تعرض للاعتقال أكثر من مرة، بالإضافة إلى محاولة تسميمه ليدخل على أثرها في غيبوبةٍ تزيد عن ثلاثين يومًا. كما كان لطفله ذو الأعوام الثمانية نصيبًا من الضرب على رأسه، وكذلك زوجته التي فقدت جنينها في الأشهر الأخيرة بعد اعتداء المجندات عليها أثناء مداهمة المنزل والتهجم على أفراده. 

| قصة عمر حجاجلة وجدار الفصل العنصري

حجاجلة.webp
 عمر حجاجلة يسير مع ابنه في النفق الذي يربط منزلهما في الولجة في الضفة الغربية بما تبقى من أراضي القرية التي أُلحقت ببلدية القدس

لم تثنِ هذه المحاولات حجاجلة عن موقفه بل دفعته للاستمرار بالدفاع عن بيته بقوةٍ أكبر، حيث يروي لبنفسج حول توجهه للمؤسسات الدولية المستقلة لعرض قضيته، فيقول: "توجه الاحتلال للمحاكم بعد رفضي تبديل الأرض حتى يصدر قانونًا بخروجي، إلا أنني فعلت قضيتي إعلاميًا ولم استسلم، حتى انتزعت قرارًا بحقي في البقاء من محكمة البلدية على اعتبار بيتي "بناءً قائمًا" بعد خمسة أعوام من الحرب". 

ولأن الاحتلال يضع نفسه فوق القانون تحديدًا إن لم يقف في صفه حاولت سلطات الاحتلال افتعال حوادث متعمدة لهدم منزل حجاجلة، كتفجيراتٍ في الجدار بجانبهم وفتح آبار المياه عليهم لتصدع البيت والتسبب في وقوعه إلا أن الحجر بقي صامدًا كصمود صاحبه، صاحبه الذي اختار البقاء بعد تهجير عائلته عام 1948 إلى هذه الأراضي لم يحتمل التزحزح مجددًا عن أرضه.


اقرأ أيضًا: أٌمُّنا عايدة الصِّيداوي: جارة الأقصى حين أُبعدت عنه


وبعد استنفاد جميع الطرق وفشلها، ركّب الاحتلال بوابةً إلكترونية تعزل بيت عمر عن العالم، وتحدد فيه ساعات خروج العائلة ودخولها، عدا عن ذلك فإن الزوار يحتاجون لتنسيقٍ أمني مسبق قبل 48 ساعة، مما جعل العائلة في عزلٍ انفرادي بعد امتناع حجاجلة عن التنسيق مع الاحتلال.
وعن التفاعل المحلي والدولي مع قضية المنزل فقد توجه عمر بكل قوته لجميع المؤسسات حتى يدافع عن وجوده وحقه، فلاقى تضامنًا شعبيًا وعالميًا واسعًا ساهم في عدم جعل عمر فريسة سهلة للاحتلال، إلا أنه للأسف لم يلق أي نوع من أنواع الدعم من المؤسسات الرسمية الفلسطينية.

| عن قرية الولجة

 
وفي سؤالنا لـ عمر حجاجلة عن موقفه الآن بعد عزله وعائلته عن العالم إن كان يشعر بالتراجع أو الندم فأجاب نافيًا : "لم أشعر بالندم أو الاستسلام للحظة واحدة حتى، لا أستطيع أن أعبر لكم بالكلمات عن علاقتي بهذه الأرض وأشجارها وحجارها، أجد صعوبةً في شرح ذلك لكنني سأحافظ على الشبر الواحد من أرضي، فلا أعلم ربما يكون تحرير فلسطين من هذه النقطة، وأنا أدعو كل فلسطيني حر أن يتمسك بأرضه ويحافظ عليها حتى الرمق الأخير". 

وفي سؤالنا لحجاجلة عن موقفه الآن بعد عزله وعائلته عن العالم إن كان يشعر بالتراجع أو الندم فأجاب نافيًا : "لم أشعر بالندم أو الاستسلام للحظة واحدة حتى، لا أستطيع أن أعبر لكم بالكلمات عن علاقتي بهذه الأرض وأشجارها وحجارها، أجد صعوبةً في شرح ذلك لكنني سأحافظ على الشبر الواحد من أرضي، فلا أعلم ربما يكون تحرير فلسطين من هذه النقطة، وأنا أدعو كل فلسطيني حر أن يتمسك بأرضه ويحافظ عليها حتى الرمق الأخير". 

يُذكر أن قرية الولجة إحدى ضواحي مدينة القدس قبل تقسيم الاحتلال المنطقة من خلال جدار الفصل العنصري، وضمها لمدينة بيت لحم، ومن الواضح أن هنالك مطامع كبيرة للاستيلاء عليها حيث تحيطها المستوطنات من كل الجهات، في ما التهم الجدار أراضٍ كثيرة منها، والتي كانت مساحتها قبل بناء الجدار 12 ألف دونم لتصبح بعد بنائه 1200 دونم. أما جدار الفصل العنصري فقد شرعت سلطات الاحتلال عام 2002، في بنائه بالضفة الغربية قرب الخط الأخضر، معتمدةً على الإسمنت المسلح، وفي 2004 أفتت محكمة العدل الدولية في لاهاي بعدم قانونية جدار الفصل العنصري، وطالبت بوقف البناء فيه.


اقرأ أيضًا: عائلة بركات الخواجا: دفء العائلة تبدده جرافات الاحتلال


يمرُّ الجدار عبر أراض مأهولة وزراعية في الضفة، ويحول دون وصول الفلسطينيين إلى بعض الشوارع المحلية وبعض الحقول، كما أن مساره في المنطقة الشمالية يعزل أكثر من 5 آلاف فلسطيني في مناطق "مغلقة" بين الخط الأخضر وجدار الفصل العنصري. وقامت السلطات بإنشاء بواباتٍ إلكترونية في الجدار يحتاج فيها الفلسطيني لتصاريح مرور للتحرك خلاله بالإضافة إلى أبراج مراقبة مزودة بالكاميرات، وقد أثبتت تلك النظم عدم جدواها في توفير حياة عادية للسكان. يبلغ طول الجدار في الضفة الغربية 770 كيلومترًا، بينها نحو 142 كيلومترًا في الجزء المحيط بالقدس، أما ارتفاع الجدار فيصل إلى 8 أمتار.