بنفسج

طقوس التماهي: متتالية لن تنتهي بالهالوين!

الأربعاء 09 نوفمبر

بسبب هيمنة الثقافة الغربية  في عصر العولمة وما بعدها، ووجود الإعلام الذي فتح لنا النوافذ نحو العالم الغربي وممارساته وطقوسه، بتنا نشهد تأثرًا كبيرًا في عالمنا العربي مستمد من الحضارة والرؤية الغربية، هذا التأثر عم وشمل كل أنماط حياتنا، فبدأنا نلحظ تأثيراته في الأطعمة، الاحتفالات، عادات الزواج، الحفلات، والكثير من العادات الصحية والغذائية والاجتماعية.

بالتدريج، اكتسحت المأكولات الأمريكية والأطباق الغربية موائدنا وغزت أسواقنا، أذكر البداية في التسعينات عندما تذوقت البان كيك لأول مرة في بيت عمتي التي كانت مقيمة في الولايات المتحدة الأمريكية وزارت فلسطين لوقت قصير، وكنت أنا في السادسة أو السابعة من عمري، كان طعمه خياليًا ولذيذًا جدًا، خصوصًا مع المحلي الذي كان يقطر من جوانبه المتعددة مع قطعة الزبدة التي تسيح في منتصفه. ذهبت إلى أمي لأخبرها بضرورة تعلم الوصفة، فهي خيالية.

بالطبع، لا فالطرق التي فتحت النوافذ أمامنا؛ لنطلع ونتعلم ونتثقف ونتغير واسعة لا تعطينا وصفات طعام جديدة، ولا منتجات مفيدة للبشرة والشعر وتنظيف الاسنان والاعتناء بالصحة فقط. إنما تفتح أمامنا الثقافات الغريبة من بابها الواسع، فتعطينا احتفالاتهم، أفكارهم، معتقداتهم، أعيادهم، طرق زواجهم، وغيرها الكثير.

في اليوم التالي أخبرت زميلاتي في المدرسة، فتعجبن وقلن لي بأنهن لا يعرفن ما هو معنى البان كيك ولم يتذوقنه أبدًا، أصبحت آكله باستمرار بعدها، لكني ربما كنت محظوظة جدًا فأنا من القلائل اللواتي يعرفنه في مدرستي كلها. بعدها بسنوات بدأت ألحظ أن الناس بدأوا يتداولون الموضوع، ويأكلون البان كيك وهذا بالقياس ينطبق على العديد العديد من الأطعمة الغربية المختلفة التي دخلت حياتنا واكتسحت موائدنا. سيقول قائل: الطعام لذيذ ونحن نتعلم طرق جديدة كل يوم وهذا أمر محمود ولا بأس فيه، نعم، ولكن هل يقتصر الأمر على الطعام والأمور المحمودة؟ وهل انتقال الثقافات يتوقف عند نقطة معينة دون غيرها؟

بالطبع، لا فالطرق التي فتحت النوافذ أمامنا؛ لنطلع ونتعلم ونتثقف ونتغير واسعة لا تعطينا وصفات طعام جديدة فقط، ولا منتجات مفيدة للبشرة والشعر وتنظيف الأسنان والاعتناء بالصحة فقط. إنما تفتح أمامنا الثقافات الغريبة من بابها الواسع، فتعطينا احتفالاتهم، أفكارهم، معتقداتهم، أعيادهم، طرق زواجهم، وغيرها الكثير.


اقرأ أيضًا: احتفال بالهالوين أم انتصار لاحتلال خفي؟


لذا نرى الانتشار الواسع لحفلات جديدة لم يشهدها عالمنا العربي قبلًا، وأراها دخيلة على ثقافتنا كحفلات تحديد جنس المولود، وحفلات توديع العزوبية، والاحتفال بالكريسمس، وأخيرًا بدأنا نتعمق بالاحتفالات حتى وصلنا إلى الاحتفال بالهالوين! ولكي لا يكون حديثي عاميًا، وكي نرصد هذه الظاهرة بشكل أكثر عملية، دعونا نستعرض أمثلة لبعض الاحتفالات التي تكشف ما تسرب إلى عالمنا الإسلامي من قيم وتعاليم دخيلة.

| حفلات تحديد جنس المولود: بدأت الفكرة بزوج قرر مفاجأة زوجته في عام ٢٠١٦ بجنس مولودهما الذكر، إذ كانت والدة زوجته هي فقط من تعرف جنس المولود، فابتكر فكرة غريبة وجديدة لمفاجأة زوجته، واتفق مع متجر ليحضر بالونات زرقاء ويظهرها في الوقت المناسب ويخبرها بأنها تحمل جنينًا ذكرًا. فسدت خطته عندما أخطأ صاحب المتجر وأحضر البالونات بأكياس شفافة، ولكنها كانت ملهمة للعديد من الأشخاص حول العالم. أصبح الناس يتفننون بالطرق والوسائل التي انتشرت على نطاق واسع عبر الفيديوهات على منصات السوشيل ميديا في العالم كله ووصلت إلى عالمنا العربي.

وأصبحت موضة جديدة، فقد غزت آلاف الفيديوهات السوشيل ميديا بآلاف الأفكار؛ فتارة نرى البالونات الكبيرة تنفجر، يخرج منها اللون الأزرق أو الوردي، وتارةً نرى قوالب الكيك تفتح لنرى الكريما الداخلية ونكشف عن لونها إن كان أزرقًا أو ورديًا، وتارة نرى برج خليفة يضاء بجنس الجنين في احتفالات ضخمة مهيبة تجاوزت المعقول، وأضحت فرصة للتنافس والسباق.

أذكر أنني كنت أشاهد الأفلام والمسلسلات في صغري، فأرى حفلات ما قبل الزواج بيوم تغزو العالم الغربي هي عبارة عن حفلة للعروس قبل زواجها بيوم واحد، تلتقي بصديقاتها، اللواتي يتفنن بتوديعها وتصفيف شعرها وعمل ماسكات لبشرتها، لأنها ستدخل الى القفص الذهبي، ويحتفلن معها بكثير من الرقص والغناء.

| احتفالات توديع العزوبية: أذكر أنني كنت أشاهد الأفلام والمسلسلات في صغري، فأرى حفلات ما قبل الزواج بيوم تغزو العالم الغربي هي عبارة عن حفلة للعروس قبل زواجها بيوم واحد، تلتقي بصديقاتها، اللواتي يتفنن بتوديعها وتصفيف شعرها وعمل ماسكات لبشرتها، لأنها ستدخل إلى القفص الذهبي، ويحتفلن معها بكثير من الرقص والغناء. أما العريس فيخرج مع أصدقائه ويحتفل ويتفنن هو الآخر بالكثير من المخالفات، وذلك لأنه من الآن فصاعدًا سيرتبط ويلتزم، وفي هذه الحفلات في العالم الغربي العديد من المخالفات الشرعية والأخلاقية التي لا تعتبر مقبولة عندنا ونرفضها جملة وتفصيلًا، فالإنسان يحصن فرجه ويغض بصره عبر الزواج ولا يرتكب المحرمات لا قبل الزواج ولا بعده.


اقرأ أيضًا: لبركة البيوت... استقيموا يرحمكم الله


| احتفالات الكريسمس: في عالمنا العربي وفي الدول ذات الغالبية العظمى من المسلمين بدأنا نلحظ في الأعوام المنصرمة، ومنذ بداية شهر ديسمبر أشجار أعياد الميلاد تتوسط الميادين العامة، ويحتفل بها ويتغنى المسلمون أنفسهم. الأضواء، أزياء بابا نويل، أشجار عيد الميلاد في معظم بيوت المسلمين تتربع في زوايا وأركان المنزل.

| احتفالات الهالوين: وفيه العجب العجاب رأينا مؤخرًا الأزياء الغريبة الخاصة بعيد الهالوين تكتسح شوارع السعودية والعالم العربي رغم أنه عيد وثني وشركي في أساسه ولا علاقة لأي دين سماوي فيه، فالهالوين بدأ أساسًا بأن قبائل السيلتك في أوروبا، كانوا يحتفلون بيوم الموتى، إذ أنهم كانوا يعتقدون أن هذا اليوم تخرج فيه الأشباح لتسكن الشتاء الطويل، فهو يوم فاصل بين عوالم الأحياء والأموات، حتى القرن التاسع امتزجت هذه الخرافة الوثنية شيئًا فشيئًا مع بعض أطياف المسيحية في الغرب، حدث ذلك في بدايته في إحدى الكنائس فقد وافق حلوله بالصدفة عيد القديسين في الديانة المسيحية ، فسمحت الكنيسة بالاحتفال به، حيث قررت أن يدخل الوثنيون إلى داخل أروقتها لمشاركتهم الاحتفال، فحدث دمج بين الاحتفال النصراني الكنسي والاحتفال الوثني بكل موروثه من الأزياء والتنكر والصور المخيفة للأشباح والموتى.


اقرأ أيضًا: "بوب إت وصبارة راقصة": مجتمع رهن #الترند


في حين تحرم بعض الطوائف المسيحية وخاصة الشرقية منها هذا العيد لأصله الوثني، وتقبله أطياف أخرى رغم ما يحمل من ملابس وعباءات وأزياء تنكرية وأطباق الطعام، التي يعتقد حسب الأساطير القديمة أنها مصممة لاسترضاء الأرواح وإبعادها عن المكان.

 فالأرواح تنتشر في هذا اليوم ولا تدخل البيوت التي يضع أهلها  أواني مخيفة أو مشاهد أرواح، وتظن أن هذه البيوت توافقها وتتفق معها، الأمر الذي تخالفه الديانة المسيحية، ورغم ذلك حدث اندماج كبير وأصبحت الكثير من البيوت المسيحية في أوروبا وأميركا وحتى عالمنا العربي اليوم تحتفل فيه كعيد أزياء وتنكر ومرح أكثر من كونه عيد ذو أصل شركي وثني.

 تنتقل الخرافات إلى الموروث الثقافي للشعوب تمامًا كما تنتقل العادات الصحية وعادات طهي الطعام والاعتناء بالنظافة ، منذ قبل عصر العولمة والانتقال الثقافي والفكري والتماهي حاصل بين الشعوب . أعتقد أننا بتنا ندرك خطورة الأمور، هذا الدمج الثقافي والحضاري وحتى الديني والتماهي بين الشعوب يدق ناقوس الخطر على ديننا ومعتقداتنا وعاداتنا الاسلامية والعربية الأصيلة، وما هذا إلا ترجمة فعلية لحديث خير المرسلين حيث قال : لتتَّبعنَّ سَننَ من كانَ قبلَكم حذو القُذَّةِ بالقُذَّةِ حتَّى لو دخلوا جحرَ ضبٍّ لدخلتُموه. قالوا: اليَهودُ والنَّصارى؟ قالَ: فمَن!


| المراجع

[1]  ما هو الهالوين الذي يحتفل به في نهاية شهر أكتوبر؟

[2]  من أين جاءت فكرة الاحتفال بالهالوين؟ وماذا تعرفون عن هذا الاحتفال؟ وما أبرز طقوسه؟ وكيف تشكلت؟

[3]  الهالوين.. أصل الاحتفال به وحقيقة كونه عيدا وثنيا