بنفسج

آمنة اشتية وعايدة المصري: صديقتا السجن والحرية

الأربعاء 23 نوفمبر

الأسيرتان الفلسطينيتان آمنة اشتية وعايدة المصري
الأسيرتان الفلسطينيتان آمنة اشتية وعايدة المصري

جلست الصديقتان أمام كلية الشريعة حيث كان ملتقاهما الأول لالتقاط صورة ليست الأولى، فلطالما خلّدتا ذكرياتهما بصور كثيرة يومًا بيوم منذ أن تعارفتا. تهمس آمنة في أذن عايدة بتهكم وتقول: "لازم هاي الصورة تطلع زابطة بتعرفيش وين تروح بعدين!". نظرت عايدة باستغراب، وأكملت آمنة: "تخيلي ينشرولنا إياها لو انحبسنا يومًا من الأيام". ضحكت الصديقتان جدًا لأن هذه دعابة لا أكثر، ولم تكونا تعلمان حينها أن بعض الفكاهة قد تتحول لحقيقة مهما ما بدت الفكرة سخيفة!

آمنة اشتية وعايدة المصري أسيرتان محررتان اعتقلتهما قوات الاحتلال بتاريخ 23 آذار/مارس 2022، حُكم على آمنة 6 أشهر وأُفرج عنها في الثاني من أيلول/ سبتمبر 2022، وأُفرج عن صديقتها عايدة التي حكم عليها بالسجن 7 أشهر في 2 تشرين الأول/أكتوبر الماضي، أي بعد شهر من الإفراج عن آمنة، فكيف كانت هذه الرحلة؟ وكيف انتهت؟ حاورت بنفسج الأسيرتين المحررتين لتسطر في هذا المقال تفاصيل هذه الرحلة.

| الصديقتان في لحظة الاعتقال 

الأسيرتان الفلسطينيتان آمنة اشتية وعايدة المصري
 
اعتادت عائلة الأسيرة المحررة آمنة شتية على مداهمة قوات الاحتلال  لمنزلهم واعتقال أحد أفراد هذه العائلة وزعزعة استقرارها، باستمرار؛ فإخوة آمنة يعانون من دوامة اعتقال لا تنتهي. في هذه المداهمة ظنت آمنة وعائلتها أن الاعتقال سيطال أخاها مالك هذه المرة.
 
 تقول: "حتى تلك اللحظة لم أشك أنا أو أحد من أسرتي للحظة أن أكون أنا المطلوبة للاعتقال. جلست أنا وأمي، ومالك خرج ليتحدث معهم، كانت قدماي ترتجفان، فغطيتهما كي لا يظهر لهم خوفي، حتى قال المحقق، الاعتقال لـ آمنة، لا أعلم حينها كيف نزلت عليّ السكينة مرة واحدة".

عادت آمنة اشتية من جامعتها في ذلك اليوم (يوم اعتقالها) بعد أن ودعت صديقاتها، ووصلت إلى بيتها في قرية تل كانت تشعر بإعياء شديد وتعب عام، مما دفعها أن ترتمي في سريرها لعل النوم يخفف عنها تعبها، فتقول: "نمت منذ عودتي من الجامعة واستيقظت بعدها في الليل ومن شدة تعبي، وقتها لم أكن أقوى على مناداة أهل بيتي لأشرب، فاتصلت بأخي مالك ليحضر لي الماء، شربته وعدت إلى النوم، واستيقظت مجددًا عند الساعة الثانية والنصف بعد منتصف الليل على صوت مالك يتناوش مع أحدهم على باب البيت، ليتبين بعدها أنهم قوات الاحتلال".

اعتادت عائلة الأسيرة المحررة آمنة شتية على مداهمة قوات الاحتلال  لمنزلهم واعتقال أحد أفراد هذه العائلة وزعزعة استقرارها، باستمرار؛ فإخوة آمنة يعانون من دوامة اعتقال لا تنتهي. في هذه المداهمة ظنت آمنة وعائلتها أن الاعتقال سيطال أخاها مالك هذه المرة، تقول: "حتى تلك اللحظة لم أشك أنا أو أحد من أسرتي للحظة أن أكون أنا المطلوبة للاعتقال. جلست أنا وأمي، ومالك خرج ليتحدث معهم، كانت قدماي ترتجفان، فغطيتهما كي لا يظهر لهم خوفي، حتى قال المحقق، الاعتقال لـ آمنة، لا أعلم حينها كيف نزلت عليّ السكينة مرة واحدة".

غضب مالك غضبًا شديدًا، وكذلك والدها، ولكن ما كان من آمنة إلا أن طمأنتهما وودعتمها بثبات، واقتادتها المجندة إلى مصير لم يعرف بعد، فتقول: "علاقتي بعائلتي قوية، فأنا أخر العنقود، وأنا البنت الوحيدة المدللة، بهجة المنزل كما يقول أبي، ومخبأ الأسرار كما تقول أمي، وصديقة إخوتي، لذلك كان الأصعب على نفسي، في تلك اللحظة، أن تصيب الغصة قلوبهم، ولم أهتم لشيء، حتى نفسي، سواهم".


اقرأ أيضًا: نورا ومحمد.. 48 مؤبدًا بميثاقِ حُبٍّ وانتظار


في الجهة الأخرى، كانت عايدة صديقة آمنة المقربة تجلس في غرفتها، في بيت جدتها، تراجع امتحانها، لتتعالى أصوات قوية على باب منزلها في الطابق العلوي. علمت أن قوات الاحتلال تداهم المنزل، فظنت أن الاعتقال لشقيقها، ولكن بعد فترة قصيرة جاء الجيش يتقدمهم أخوها، وأخبرها أن الاعتقال لها، تقول: "أصابتني الصدمة للوهلة الأولى، ولكن كان عليّ أن أظل متماسكة لأجل أسرتي، فقالت جدتي لهم: "حققوا معها هنا لا تأخذوها". فأجابوها بأن هذا اعتقال. تقول عايدة: "بدأت بتوضيب ملابسي، ومن ثم وأخذوني للطابق العلوي لتوديع أمي وإخوتي".

عايدة ذات الشخصية الهادئة التي نادرًا ما تظهرت مشاعرها، تبكي بصعوبة، كلامها قليل وانفعالها متواضع، ارتمت في حضن أمها. عانقتها الأم كذلك، لعلها تستطيع أن تخبئها عنهم، ثم ودعت إخوتها، وأخذوها إلى الجيب العسكري. حاولت أن تودع جدتها، ولكنهم منعوها.

| لحظات الاعتقال والتنكيل

الأسيرتان الفلسطينيتان آمنة اشتية وعايدة المصري
آمنة اشتية لحظة الإفراج عنها من سجون الاحتلال الإسرائيلي

ركبت آمنة الجب العسكري، ومنذ اللحظة الأولى احتسبت كل لحظة لها في سبيل الله، وصلت صلاة الحاجة ولازمت الدعاء لتلازمها معية الله، فتقول: "كنت وحيدة مقيّدة ومعصوبة العينين، ولكن في قلبي طمأنينة كبيرة وقوة، حتى أن أحد الجنود كان يقف بجانبي، وتعمد غرز طرف البندقية في كتفي، ولكني لم أتوانَ لحظة في دفعها عني". تضيف: "كانت المسافة أقصر مما أتخيل، ربما لأن بالي كان مشغولًا، وأفكار كثيرة تدور في ذهني حتى وصلنا معسكرًا على جبل عال".

في جيب عسكري آخر، تعرضت عايدة لشتائم المجندة، دون أن يؤثر ذلك في عزيمتها مثقال ذرة، فتقول: "سمعت شتائمًا لم أسمعها  في حياتي، ولكن في تلك اللحظة كل ما كان يدور في ذهني هو أهلي وآمنة صديقتي، كيف ستكون ردة فعلها حين تسمع نبأ اعتقالي، وردة فعل عمي الذي هو بمقام أبي، وزوج أمي منذ استشهاد أبي، كنت أفكر بقلقهم ومشاعرهم، ولا أريد أن تتأثر نفسيتهم".

وصلت عايدة قبل آمنة إلى ذات الجبل، وجلست في مكان بارد جدًا، سمح لها الجيش بالتحدث مع أهلها مرة أخرى، وبعد الاطمئنان عليهم بدأت عايدة تستوعب أنها معتقلة، وعليها أن تفكر بما هو قادم لها وكيف تتعامل معه، وفي ذلك الوقت حدث ما لم تتوقعه عايدة أبدًا، فتقول: "سمعت أصواتًا وحركة من حولي، وفتاة تقول "بدي أعدل حجابي"، فنظرت من أسفل العصبة التي على عيني،  التي لم تكن مشدودة بالشكل الكافي، وإذا بها فتاة أقرب ما يكون صوتها وحركتها وحذاؤها لآمنة صديقتي، وأنا التي كنت خائفة من ردة فعلها حين معرفة نبأ اعتقالي".


اقرأ أيضًا: هيفاء أبو صبيح: في أن تكوني أمًا وأسيرة


كانت عايدة بين الشك واليقين من كونها آمنة، بعدها بدقائق، طلبت عايدة الذهاب إلى الحمام لتسمعها آمنة، وكانت تلك اللحظة الأصعب عليها منذ الاعتقال، فتقول: "سمعت أحدهم يطلب الذهاب إلى الحمام، وتكرر الطلب مرتين، ليتأكد لي أنها عايدة. شعرت حينها وكأن أحدهم صبّ عليّ ماءً باردًا في هذا الجو المتجمد، كانت صدمة شديدة، وكانت معرفتي بأنها معتقلة أشد عليّ من اعتقالي".

| الصديقتان في أروقة التحقيق

الأسيرتان الفلسطينيتان آمنة اشتية وعايدة المصري
وضعوني في غرفة وسخة جدًا مليئة بالقاذورات، وبقايا طعام تملؤ الأرض، وأسرّة مهتكة مليئة بالملابس الممزقة، وكتب متناثرة على الأرض، وأخبروني أن هذه محطة عبور حتى يتسع لي مكان في سجن الأسيرات، شعرت حينها أني في غرفة مجانين أو غرفة تعذيب".
 
 وحاولتا أن تعيشا سويًا أجواء رمضانية رغم كل الظروف، فتقول آمنة: "كان الطعام رديئًا، وكنا نعاني لأجل معرفة الوقت، حتى نقدّر صيامنا وصلاتنا بالشكل الصحيح، خصوصًا أنهم كانوا يحضرون لنا طعام الإفطار بشكل مبكر، ولكن الوجود مع عايدة كان مريحًا إلى حد كبير"0

نقلت الأسيرتان إلى مركز تحقيق (بيت حتكفا)، وهناك عاشت الأسيرتان أيامًا عصيبة، تقول آمنة: "أشد ما عشناه في تلك الفترة هو سلب الجلباب منا، فطيلة فترة التحقيق لم يكن مسموحًا لنا ارتداؤه، وكذلك الحجاب، كانوا يأخذونه منا على باب الزنزانة ويعيدونه لنا عند الخروج منها للتحقيق فقط". تضيف عايدة: "بالصراخ تارة والحوار تارة أخرى، حاولنا أن نمنعهم من أخذ حجابنا وجلبابنا، وإعطائنا، بدلًا منه لباس (الشاباص - لباس بني خاص بالأسرى). ولا أنسى لحظة خروجنا من التحقيق وإعادة الجلباب لي، حينها احتضنته كطفل ضائع وجد أمه".

تصف آمنة لنا كيف كان يعاملها المحققون، فتقول: "كان هناك أكثر من محقق يحقق معي، كل منهم يمثل شخصية، فأحدهم يشتم ويصرخ، والآخر يضغط على عواطف الإنسان ويؤلف سيناريوهات من شأنها تدمير نفسيته، والآخر يتحدث بهدوء في سبيل أن يطمئن الأسير له فيبوح بالاعترافات. كانوا خمسة محققين يتناوبون عليّ". تضيف عايدة في ذات السياق: "كانوا يعلمون أن أهالينا هم نقطة ضعفنا، لذلك كانوا دومًا يلعبون على هذا الوتر، أمك مريضة، جدتك متعبة بسببك، اعترفي وعودي لهم بأسرع فرصة، أنت سبب تعبهم وشقائهم".

"كم وصفوا لنا بشاعة الزنزانة، وهي فعلًا كانت سيئة جدًا، حتى أني عندما أتذكرها الآن وأقول كيف قضيت أيامًا بداخلها، ولكن برحمة الله وعنايته التي أحاطتني؛ عندما فتحت المجندة باب الزنزانة، وقفت أمامها وضحكت حتى تعجبت المجندة، لأني رأيت مساحة المتر بمتر ونصف وكأنها غرفة واسعة رحيبة".

ولكن الأسيرتين كان لهما زاد لا ينفذ، يقويهما على مشقة هذه المرحلة، ويكون لهما نورًا وضياءً وهو القرآن، فعايدة كانت تقرؤه يوميًا وتختار آية بشكل عشوائي تكون لها معينًا في ساعات التحقيق. أما آمنة، فقد كتبت على جدارية في غرفتها قبل الاعتقال بيومين آية "لا تخف ولا تحزن إنا منجوك"، لتترددها في كل لحظة تشعر فيها بالخوف أو القلق. تقول: "كم وصفوا لنا بشاعة الزنزانة، وهي فعلًا كانت سيئة جدًا، حتى أني عندما أتذكرها الآن، أتساءل  كيف قضيت أيامًا بداخلها، ولكن برحمة الله وعنايته التي أحاطتني، عندما فتحت المجندة باب الزنزانة، وقفت أمامها وضحكت حتى تعجبت المجندة، لأني رأيت مساحة المتر بمتر ونصف وكأنها غرفة واسعة رحيبة".

اقرأ أيضًا: سيما متولي: خلسة العيش بعيدًا عن قبضة السجان


بعدة عدة أيام من التحقيق قال المحققون للأسيرتين أنهن سينتقلان إلى السجن وأن التحقيق انتهى، ولكن في الحقيقة كانت مرحلة جديدة من التحقيق، وهي مرحلة العصافير، حيث يوهمون الأسير أنه في السجن، ولكن كل من هم معه هم عناصر الاحتلال، يحاولون التقرب من الأسير لسحب الاعترافات منه. تقول عايدة: "وضعوني في غرفة وسخة جدًا مليئة بالقاذورات، وبقايا طعام تملؤ الأرض، وأسرّة مهتكة مليئة بالملابس الممزقة، وكتب متناثرة على الأرض، وأخبروني أن هذه محطة عبور حتى يتسع لي مكان في سجن الأسيرات، شعرت حينها أني في غرفة مجانين أو غرفة تعذيب".

ظلت عايدة في هذه الغرفة 4 أيام، كان يزورها في تلك الفترة أسيران يقولان أنهما أسرى من غزة، وهذا سجن عسقلان، وحاولا أن يستجوباها، ولكنها أحست أنهم عصافير، مما دفعها للالتزام بالصمت، فنقلوها بعد أربعة أيام إلى مكان آخر، وهو سجن عوفر حيث تقطن آمنة، وهناك اجتمعت الصديقتان لأول مرة، وحاولتا أن تعيشا سويًا أجواء رمضانية رغم كل الظروف، فتقول آمنة: "كان الطعام رديئًا، وكنا نعاني لأجل معرفة الوقت، حتى نقدّر صيامنا وصلاتنا بالشكل الصحيح، خصوصًا أنهم كانوا يحضرون لنا طعام الإفطار بشكل مبكر، ولكن وجود عايدة إلى جانبي كان مريحًا لي إلى حد كبير، رغم مشاعر القلق والشك من كوننا في سجن أم في التحقيق".

| صديقتان في سجون الاحتلال الإسرائيلي 

2-19.jpg
عايدة المصري لحظة الإفراج عنها من سجون الاحتلال الإسرائيلي

تضيف آمنة: "أخبرنا (الدوبير)، وهو مسؤول الأسرى الذي كان في الحقيقة عصفورًا أننا سنرى أهلنا في المحكمة، لذلك كنا سعيدتين جدًا، ولكن خاب أملنا عندما لم نجدهم في المحكمة، واكتشفنا أننا ما زلنا في التحقيق، وأن هذه مرحلة العصافير وحسب، وبعدها بيوم عدنا إلى السجن من جديد، الزنزانة وغرفة التحقيق والمحققين وسلب الجلباب والحجاب، ولكنها انتهت خلال يومين، ولم تؤثر على عزيمتنا، ولم يأخذوا منا أي اعتراف جديد". تضيف: كان صوت الأسرى في الزنازين المجاورة لنا مؤنسًا وهم يصلون التراويح في أجواء روحانية تشع نورًا وإيمانًا من قلب السجن والظلم".

تستكمل عايدة الحديث وتقول: "بعد هذه المرحلة، ذهبنا للمعبار " مكان انتظار للمعتقلين والذي لا يصلح للعيش ينتظر به الأسرى حتى الانتقال للسجن"، الذي جلسنا فيه 4 أيام، وكانت فترة عصيبة جدًا، كنا بحاجة للاستحمام جدًا والراحة، حيث كانت أسرة المعبار من الباطون، والأغطية قذرة جدًا والطعام سيء للغاية، ناهيك عن دوامة الوقت. كنا ننتظر اللحظة التي سنذهب بها إلى زميلاتنا الأسيرات، حتى أننا قررنا ذات مرة الإضراب عن الطعام حتى يعلمونا فقط: لماذا نحن هنا ومتى سنذهب إلى المكان الذي من  المفترض أن نذهب إليه".

جاء يوم نقل الأسيرتين لسجن الدامون، حيث التقتا هناك مع العديد من الأسيرات، مضت الشهور، وتوطدت فيها علاقة عايدة وآمنة بالأسيرات، وعشن ظروف الأسر وصعوبته ومعاناة كل أسيرة. تقول آمنة اشتية: "في الأيام الأخيرة قبل الإفراج عني، توقفت عن عدّ الأيام، وكلما تذكرت أني سأخرج قبل عايدة، وأترك خلفي الأسيرات، تبدأ الدموع بالانهمار، حتى بقي يوم واحد للإفراج، الكل ينظر لي بعين الغبطة وأنا أعيش مشاعر مختلطة بين الفرح والحزن والحسرة والعجز. جلسنا كالمعتاد، وبدأت عايدة تنشد لنا، وفي نهاية النشيد جلست على سريري، ولم أستطع أن أمسك دموعي. وفي اليوم التالي، ودّعت الأسيرات مرارًا وتكرارًا، وأخيرًا كانت عايدة التي احتضنتها حضنًا يكفيني 30 يومًا المتبقيات لها في السجن ".

تكمل آمنة بعد أن سكتت لبرهة وقد تلألأت عيناها بعد أن استذكرت تلك الحظة، وقالت: "لطالما كتمت دموعي أمام المحتل، ولكن لم أقوَ على التماسك في تلك اللحظة، فظللت أبكي حتى خرجت ورأيت أهلي من بعيد، كم انتظرت لحظة اللقاء بهم، ولكن فرحتي كانت ممزوجة بالغصة لمن تركت خلفي في سجون الاحتلال".


اقرأ أيضًا: ساجدة أبو الهيجا: سفيرة العائلة وأم أبيها وأمها


أما عن عايدة فتقول: " 6 أشهر في الأسر، برفقة آمنة، مرت كلمح البصر أمام هذا الشهر، كان ثقيلًا وطويلًا جدًا، كنت أخفف عني من وحشته بقراءة الرسالة التي تركتها لي آمنة حتى جاء اليوم المنتظر، ضاق فيه صدري رغم أنه يوم حريتي، كيف لا وأنا أرى دموع الأسيرات يتساءلن في ما بينهن متى يأتي دورنا، ومنه من بقي لها سنوات طويلة، مثل الأسيرة شروق دويات، ودعتهن وتركت لكل منهن رسالة أعبر لها عن حبي وامتناني، وأني سأظل على العهد حتى نلتقي مجددًا".

اجتمعت عايدة بأسرتها ورفيقة دربها آمنة، وذهب ظمأ شهور من الأسر، وثبت الأجر إن شاء الله، تقول آمنة: "عندما خرجت من بيت أهلي يوم اعتقالي قال لي أخي مالك "أنا خايف عليك هذا سجن!". فقلت له مواسية شو يعني تجربة جديدة؟ لقد كانت فعلًا تجربة فريدة من نوعها، خلقت مني آمنة جديدة بقلب أقوى، وإيمان أعمق ونفسٍ صبورة، وأصبحت كل أسيرة أمانة في عنقي لأبلغ رسالتها للعالم أجمع". تضيف عايدة: "بتنا نعرف قيمة كل نعمة كانت بين يدينا ولم نكن ندركها حتى حرمنا منها، أصبحت علاقتي بأهلي أقوى، بربي أقوى، بوطني أقوى، لم تنتهِ الحكاية، غدًا تطير العصافير وتقفل السجون وينتهي الاحتلال وينقشع الظلم عن كل أسير بإذن الله".