بنفسج

معايير الجمال العربية: الكلُّ جميلٌ في عينِ محبوبه

الإثنين 05 ديسمبر

معايير الجمال العربية
معايير الجمال العربية

تختلف معايير الجمال العربية من عصر إلى عصر ومن مكانٍ إلى آخر حتى في العصر ذاته، ولا شكَّ أن أمرَ الجمال نسبي، فما قد يعدّه مجتمعٌ علامة من علامات الجمال، قد لا يكون كذلك في مجتمع آخر. ولرُبما يختلف الأمر في الأذواق؛ إذ قد تتعجب أحيانًا لرؤيتك زوجًا تظنه قبيحَ الشكل بمقاييسك متزوجًا ملكةَ جمالٍ أو قد تتعجب الأمرَ معكوسًا لدى رؤيتكَ امرأة ذات قبحٍ برفقة زوجها الذي تظنه ذا حسنْ أخّاذ.

معايير الجمال العربية

معايير الجمال العربية

 

ولعلّ معايير الجمال العامة تذوب إذ يحب الحبيب حبيبه فيجد في محبوبه النموذج الأعلى للجمال، ويتخذه معيارًا يقيس عليه جمال الآخرين. في الحقيقة كلٌّ يرى الحُسنَ بمعياره، فقد يجد المَرْءُ المحبُّ حَبيبَه كاملَ الأوصاف فيجرّده من أي عيب.

 وينزهه أحيانًا من أي خطأ، ولعله يقول ما يقال على لسان العامة عندما تنبهر بجمال الكائنات، فيردد لسانها: "سبحان الله! ولا غلطة! مرسوم رسم!" وتستعجب أنت من هذا النقد إذ تجدُ أن من وُصِف بـِ "ولا غلطة" بعيدٌ عن ذائقتك ومعاييرك، فلا تنبهر بما قد بُهِروا بهِ.

الصورة: رسم الفنان الإيراني أيمن مالكي

ولعلّ معايير الجمال العامة تذوب إذ يحب الحبيب حبيبه فيجد في محبوبه النموذج الأعلى للجمال، ويتخذه معيارًا يقيس عليه جمال الآخرين. في الحقيقة كلٌّ يرى الحُسنَ بمعياره، فقد يجد المَرْءُ المحبُّ حَبيبَه كاملَ الأوصاف فيجرّده من أي عيب، وينزهه أحيانًا من أي خطأ، ولعله يقول ما يقال على لسان العامة عندما تنبهر بجمال الكائنات، فيردد لسانها: "سبحان الله! ولا غلطة! مرسوم رسم!" وتستعجب أنت من هذا النقد إذ تجدُ أن من وُصِف بـِ "ولا غلطة" بعيدٌ عن ذائقتك ومعاييرك، فلا تنبهر بما قد بُهِروا بهِ. ولعل الشاعر صدقَ في هذا إذ قال:

وعين البُغض تبرز كلَّ عيبٍ ... وعين الحُب لا تجد العيوبا.. والمعنى نفسه. يوافقه فيه شاعر آخر بقوله: أمّا الحبيبُ فليسَ فيهِ عيُوبُ ... كلّا، وليسَ على الحبيبِ ذُنوبُ..أحبَبْتُها بعيُوبِها وذُنُوبِها ... ومعًا نبوءُ بإثْمِنا ونَتوبُ

وقد تجد إنسانًا جميلًا يسيء فيبشع باطنه وظاهره، إلا أنّ هذا الكلام في الحب غير موجود، ويشير إلى ذلك قول أبي فراس الحمداني:
أساءَ فزادتهُ الإساءةُ حظوةً ... حبيبٌ على ما كانَ منه حبيبُ... يعدُّ علي الواشيان ذنوبه ... ومن أينَ للوجه الجميل ذنوبُ؟

ولعله من هنا جاء المثل الشعبي "القرد في عين أمه غزال"، ولربما في المثل ظلم وغلو، ذاكَ أن القردَ يرى ابنه من نوعه قِردًا جميلًا بمعاييره ولربما يستبشعُ جمال الغزال الذي وضعناه نحن معيارًا لجمال ابنه. ولهذا تجدنا نستغرب كيفَ لرجلٍ شديد البياض أن يتزوج من امرأة شديدة السواد ونعلق قائلين: ماذا رأى فيها؟ أو ماذا شدَّها إليه؟! قياسًا على معاييرنا في الجمال.


اقرأ أيضًا: مسابقات ملكة الجمال: عن ثمن الحداثة الذي تدفعه المرأة!


وقد تفشل ملكات الجمال في عصرنا الحالي إذا ما حُكّمت بمعايير الجمال التي أغوت قلوبَ كثيرٍ من الشعراء في ما مضى، فتغنوا بها في أشعارهم، فهل كنت تعلم مثلًا أن النحافَة اليوم لم تكن ملمحًا جماليًا في القديم، بل إن البعض كان يتعوّذ منها أحيانًا، فقد ورد في شعر العرب قولهم:

أعوذ بالله من زلّاء ضاوية ... كأن ثوبيها عُلِّقا على عود

والزلاء المرأةُ قليلة الشحم وكأنها عودٌ نحيل جافّ لا حياةَ فيه، ولم تكن مرغوبة في العرف القديم.

معايير الجمال العربية ما بين الماضي والحاضر

image-124.png
رسم الفنان الإيراني أيمن مالكي

فـ "معايير الجمال العربية  قديمًا  تختلف عمّا يُسوَّق لهُ الآن، والواضح أن المرأة البدينة هي الجميلة المفضلة مقارنة بالمرأة النحيفة. وكان الكثير من الشعراء يرون في بدانة المرأة وسمنتها وسمًا جماليًا، حتى أنهم يكنّون عن ذلك بقولهم "خرساء الأساور" والقصد أن رسغها ممتلئ يمنع ارتطام أساورها ببعضها فلا تصدر صوتًا. وقد قيل لامرئ القيس: ما أطيب عيش الدنيا؟ فقال: بيضاءُ رُعْبوبةٌ، بالطيب مشبوبةٌ، بالشحم مكروبة.

حتى إن لوحة الموناليزا الشهيرة لم تَظهر بمعايير الجمال التي تُسوقها أوروبا الآن، فقد كانت ممتلئة الجسم، وكذا الأمر في لوحاتٍ أخريات رُسِمت فيها المرأة بدينة بشكل مغاير لمعايير الجمال الحالية. وهناك شعر كثير يتناول هذه الصفة في المرأة متغنيًا بسمنتها إلى درجةٍ قد تتجاوز معايير الحياء أحيانًا في ما هو متعارف عليه.

يقول الأعشى في معلقته: مِلءُ الوِشاحِ وَصِفْرُ الدّرْعِ بَهكنَة ٌ ... إذا تَأتّى يَكادُ الخَصْرُ يَنْخَزِلُ ويشير بصفر الدرع إلى امتلاء جسمها، أما البهكنة فهي المرأة الممتئلة الناعمة، وأمثلة هذا البيت كثيرة في شعر العرب. ويقول الشاعر عمرو بن كلثوم في معلقته في السياق ذاته: ومأكمة يضيق الباب عنها ... وكشحًا قد جننتُ به جُنونا

ومن معايير الجمال التي باتت شبه بائدة الآن هي الفلجة بينَ الأسنان (الفراغ بين الأسنان الأمامية)، إذ كانت ملمحًا جماليًا يُتغزل به، يقول ديك الجن: يَنْظُرْنَ مِنْ خلَلِ النِّقابِ ومِنْ ... تَحْتِ النِّقَابِ ضَواحِكٌ فُلْجُ، ويقول الشريف الرضي في بيتٍ مشابه: لمياءُ تبسمُ عن شتيتٍ واضحٍ ... كالأري يروي غلّةَ الصديانِ.. فابتسامتها هنا تُبدي الفراغ الواضح ما بينَ أسنانها وذلك جميل بالنسبة إليه.

المرأة في الشعر العربي

معايير الجمال العربية
 
أمّا العيون فقد تغزَّل بها الشعراء ماضيًا وحاضرًا، وكانَ لها فعلتها في قنص المُحبّ، وقيلَ إنَّ لها سِحرًا كمفعول الخمرِ تذهب بالعقول من بعدِ شربها، ومما وردَ في ذلك، قول الشاعر: وعينانِ قالَ اللهُ كونا فكانَتا ... فعولانِ بالألبابِ ما تفعلُ الخمرُ.. 
 
فكأن عيونَ المحبوبة سيفٌ حادٌّ ينقضُّ على المُحب فيقتله، والعجبُ أن القاتل في الحقيقة لم يقتل ولم يحمل في يده ما يؤذي المُحب. ولحركة العين فعلُ السهم أيضًا، فالمرأة إن أغمضت عينيها أو فتحتهما، تؤلم بجمالها الناظرَ إليها.
 
الصورة: رسم الفنان الإيراني أيمن مالكي

أمّا العيون فقد تغزَّل بها الشعراء ماضيًا وحاضرًا، وكانَ لها فعلتها في قنص المُحبّ، وقيلَ إنَّ لها سِحرًا كمفعول الخمرِ تذهب بالعقول من بعدِ شربها، ومما وردَ في ذلك، قول الشاعر: وعينانِ قالَ اللهُ كونا فكانَتا ... فعولانِ بالألبابِ ما تفعلُ الخمرُ.. وها هو جرير يصف قوة العيون وتمكّنها من محبّها الذي بات ضعيفًا من بعد رؤيتها، فيقول: إِنَّ العُيونَ الَّتي في طَرفِها حَوَرٌ ... قَتَلنَنا ثُمَّ لَم يُحيِينَ قَتلانا.. يَصرَعنَ ذا اللُبَّ حَتّى لا حِراكَ ... بِهِ وَهُنَّ أَضعَفُ خَلقِ الله أركانا

والأمر شبيه بما وصفه القيرواني في أبياته: ينضو من مقلته سيفًا ... وكأن نعاسًا يغمده.. فيريق دم العشاق به ... والويل لمن يتقلده.. كلا لا ذنب لمن قتلت ... عيناه ولم تقتل يده


اقرأ أيضًا: الأنوثة والجمال: أيهما جاء أولًا؟


فكأن عيونَ المحبوبة سيفٌ حادٌّ ينقضُّ على المُحب فيقتله، والعجبُ أن القاتل في الحقيقة لم يقتل ولم يحمل في يده ما يؤذي المُحب. ولحركة العين فعلُ السهم أيضًا، فالمرأة إن أغمضت عينيها أو فتحتهما، تؤلم بجمالها الناظرَ إليها، يقول ابن الرومي في ذلك: نظرتْ فأقصدتِ الفؤادَ بسهمِها ... ثم انثنَتْ نَحْوِي فكِدتُ أهيم.. ويْلاهُ إنْ نَظَرتْ وإن هِيَ أعْرضتْ ... وقْعُ السِّهام ونَزْعُهُنَّ أليم

فالنظر إليه بعينيها يشبه انغراس السهم بجسده، وإعراض عينيها عنه يشبه نزع السهم من موضعه، وفي كلتا الحالين ألم. كلّنا جميلون في نظر من يُحبُّنا، وكلُّ مَن نُحب جميل في نظرنا، ولا مقياسَ ثابِتٌ للجمال أو بما يسمى معايير الجمال العربية، إلا أن الغالبية تتفق ربما في أن الجمال الروحي والداخلي يزيد من الجمال الخارجي. ولنتفق جميعًا أننا جَميلون بهيئاتِنا المختلفة ولكلٍ بصمته الجمالية التي تمايزه عن الآخرين، وليخلق كلٌّ منّا نسختَه الخاصة من جماله.