بنفسج

قاسم وإيناس عصافرة: زوجان في زنزانتين

الثلاثاء 17 يناير

مثل أي صباحٍ فلسطيني متوقع بدأ ذلك اليوم بموجزٍ صباحي متكرر بالنسبة للعالم كله حتى وصل إلى حد الملل، إلا أن مشاعر الفلسطيني اتجاه أحداثه لم تفتر يومًا، وتكرار المشاهد لم يجعلها مملة له، ليختلف ذلك اليوم عن بقية الأيام لدى الأسير قاسم العصافرة وزوجته إيناس، حيث حُفر هذا اليوم في ذاكرتهما، كشاهدٍ على اعتقالهما في يوم واحد وهدم منزلهما خلال أسابيع قليلة.

لم تمر اقتحامات الاحتلال للمسجد الأقصى بشكلها الاعتيادي بالنسبة لقاسم عصافرة (33 عامًا) من مدينة الخليل، رافقت ذهنه مشاهد اقتحامات المستوطنين في الوقت الذي يمنع الاحتلال دخول المصلين الفلسطينيين إليه، حتى قرر قاسم أن ينتقم لذلك برفقة ابن عمه نصير عصافرة، وبعد تخطيطٍ منهما قاما بطعنِ مستوطنٍ وقتله في منطقة عصيون قرب مدينة بيت لحم في عام 2019، لينسحبا من موقع العملية بأمان ويتمكنا من العودة إلى بلدتهم.

وفي اليوم التالي داهمت قواتٌ كبيرة من جيش الاحتلال قرية بيت كاحل شمال الخليل بعد مصادرة الكاميرات، واعتقلت قاسم ونصير، ثم اقتحمت بيوتهما، واعتقلت إيناس عصافرة، زوجة قاسم، للتحقيق بخصوص العملية، تطبيقًا لسياسة الاحتلال التي يحاول فيها دائمًا فرض العقوبات الجماعية، حيث يعتبر أن عدم التبليغ عن المنفذ تهمةٌ يُحاكم عليها الشخص مهما كانت درجة قرابته. تركت إيناس قلبها برفقة طفليها محمد ذو الخمس أعوام، وعبد الرحمن (3 سنوات) يعيشان مرارة غياب الأب والأم في آنٍ واحد.

الأم والأب داخل سجون الاحتلال

لم تمر اقتحامات الاحتلال للمسجد الأقصى بشكلها الاعتيادي بالنسبة لقاسم عصافرة، رافقت ذهنه مشاهد اقتحامات المستوطنين في الوقت الذي يمنع الاحتلال دخول المصلين الفلسطينيين إليه، حتى قرر قاسم أن ينتقم لذلك برفقة ابن عمه نصير عصافرة، وبعد تخطيطٍ منهما قاما بطعنِ مستوطنٍ وقتله في منطقة عصيون قرب بيت لحم عام 2019.

وفي اليوم التالي داهمت قواتٌ كبيرة من جيش الاحتلال قرية بيت كاحل شمال الخليل بعد مصادرة الكاميرات، واعتقلت قاسم ونصير، ثم اقتحمت بيوتهما، واعتقلت إيناس عصافرة، زوجة قاسم، للتحقيق بخصوص العملية.

لم يكتفِ الاحتلال باعتقال الأم، كعقوبةٍ لذلك بل بدأ مباشرةً بإجراءات هدم منزلهم بالإضافة إلى ثلاث منازل في بيت كاحل، وهنا تساوت ذكريات الطفلين وحضنهم الدافئ مع الأرض بعد عدة أيام، في هذا الوقت كانت تقضي إيناس أصعب أيام حياتها بين زنازين التحقيق يشغل بالها أطفالها الصغار وزوجها الذي وُضع في أقبية التحقيق أيضًا.

 وفي حوارٍ لبنفسج مع إيناس تقول: "كنت في صدمةٍ كبيرة بسبب تسارع الأحداث وصعوبتها، آخر ما أذكره أنني كنت برفقة أولادي في المنزل، وخلال ساعات اعتُقل زوجي ووجدت نفسي أنا أصارع ظروف الاعتقال القاسية والضغط النفسي الذي تعمد الاحتلال استخدامه من خلال الحديث عن أطفالي وتهديدي بهم، ثم تطرقوا للحديث عن زوجي ووضعه الصعب في التحقيق، وصولًا إلى هدم المنزل، كان المحققون ينتظرون انهياري، إلا أن معية الله في كل لحظةٍ كانت ترافقني".


اقرأ أيضًا: سيما متولي: خلسة العيش بعيدًا عن قبضة السجان


أصدرت محكمة الاحتلال حكمها الجائر بحق إيناس لقضاء عامين ونصف داخل السجون، بظروفٍ سيئةٍ تتعرض لها هي وجميع الأسيرات، لم يكن يشغل بالها نفسها وظروفها، إلا أن الذي أرّقها الابتعاد عن طفليها هذه المدة والتفكير في وضعهم النفسي بعد هذه الظروف، وهي لا تستطيع مواساتهم أو الحديث إليهم، ليزداد الطين بلة بقرار الاحتلال إلغاء زيارات السجون نتيجة انتشار فايروس كورونا، فتُحرم إيناس من رؤية طفليها والتحدث معهم لمدة عامين كاملين، لكنها قابلت كل ذلك بالصبر والثبات.

 تضيف: "شكرت الله ودعوته في كل دقيقةٍ كنت أفكر فيها بمحمد وعبد الرحمن وفي أدق التفاصيل التي تخصهم، أن تُحرم الأم من تقبيل طفلها كل صباح ودون أن تطمئن على أكله ونومه هو امتحانٌ مؤلم ومتعب، لكن الله ألهمني الصبر والرضا والطمأنينة، في اللحظة التي كنت أشعر فيها بالضعف أتذكر فيها يوم الإفراج الذي سأحتضن به أطفالي حتى أستعيد قوتي".

أبناء أسير: "ليش يا ماما ما جبتي بابا معك؟

7-4.jpg
قاسم عصافرة وزوجته وأطفاله

كانت الوسيلة الوحيدة لتواصل إيناس مع أهلها وأطفالها عن طريق المحامي والإذاعة لدقائق معدودة، تستمع فيها لصوت أطفالها دون أن ترد على إلحاحهم المتكرر "يلا يا ماما روحي إنتِ وبابا"! هذه الدقائق القليلة كانت إنعاشًا لروح إيناس وجرعة القوة التي تستمدها من أصوات أطفالها، من خلال الإذاعة لاستكمال حياة الأسر المتعبة على أمل اللقاء، لتنقضي مرارة الأيام بمساعدة أهل الزوجين في رعاية الأبناء والاهتمام الكبير بهم لمحاولة تعويضهم عن الغياب رغم الصعوبات.

وجاء اليوم المُنتظر بعد أعوام الانتظار والحنين، استيقظ الأطفال مبكرًا وارتدوا أجمل الملابس وانتظروا والدتهم برفقة الأهل والأقارب، لكن الاحتلال نغص هذه الفرحة بتأجيل الإفراج عن إيناس بحجة تعطيل ما يُسمى بـ "المنهلي"، لتتحول لهفة الأطفال إلى حزنٍ وبكاء رافضين العودة إلى المنزل، دون اصطحاب والدتهم في هذا اليوم الذي صادف يوم إصدار الحكم على والدهم قاسم بالسجن المؤبد و40 عامًا، إضافة إلى غرامةٍ مالية قيمتها 650 ألف شيكل بتهمة قتلِ مستوطنٍ إسرائيلي عام 2019، وعمليةٍ أخرى نفذها عام 2011 أدت إلى إصابة اثنين اعتقد الاحتلال في وقتها أنها لم تكن على خلفية أمنية.


اقرأ أيضًا: من قصص زوجات الأسرى: فصل جديد لعبير زهران


وبعد عدة أيام تم الإفراج عن إيناس واحتضنت الأم أطفالها أخيرًا بعناقٍ طويل، حاولت فيه جبر آلام الشوق والبعد تاركةً قلبها يتفطر على من تركت خلفها من الأسيرات اللواتي بقين بين جدران السجن، وعلى زوجها الذي أصبحت تعلم تمامًا ما هي ظروفه بناءً على تجربتها، إلا أن أملها ويقينها الكبير بالله في زوال السجون الظالمة كان ردًا على سؤال أطفالها: "ليش يا ماما ما جبتي بابا معك؟".

هذه التجربة التي مرت بها العصافرة جعلتها اليوم تقف بثباتٍ أكبر وصنعت منها أمًا قوية، تتابع أطفالها بعناية شديدة ما بين التربيةِ والتعليمِ، والمحافظة على استقرار الأطفال وصحتهم النفسية، في ما تقوم بإعادة بناء بيتٍ جديد حفاظًا على استقرارهم وتعويضهم عن الأيام العصيبة التي مرت بها العائلة، على أمل لقاءٍ قريب يجمعهم مجددًا بقاسم.