بنفسج

قصتي.. سلسبيل مشاهرة

الخميس 09 مارس

طفلة عمرها عام ونصف العام، تفقد والدها إثر اعتقال همجي لقوات الاحتلال الإسرائيلي. وحين وعيت على الحياة وفهمت بعقل الطفلة ماذا يعني اعتقال، أصبحت صورتنا الوحيدة زادي وملجأي، أتعلمون إحساس أن تكون كل ما تملكه عن والدك صورة! لربما بهتت بفعل مرور ٢١ عامًا، ولكنها في قلبي لامعة، أنتظر بشوق حتى أجددها وأنا ابنة العشرون عامًا ونيف، وأضعهما بجانب بعضهما البعض وأبكي كل السنين التي ضاعب هباءً منثورًا دون أن نصنع الذكريات، وكل هذا بسبب تجبر الاحتلال وظلمه. 

طفلة عمرها عام ونصف العام، تفقد والدها إثر اعتقال همجي لقوات الاحتلال الإسرائيلي. وحين وعيت على الحياة وفهمت بعقل الطفلة ماذا يعني اعتقال، أصبحت صورتنا الوحيدة زادي وملجأي، أتعلمون إحساس أن تكون كل ما تملكه عن والدك صورة! لربما بهتت بفعل مرور ٢١ عامًا، ولكنها في قلبي لامعة، أنتظر بشوق حتى أجددها وأنا ابنة العشرون عامًا ونيف، وأضعهما بجانب بعضهما البعض وأبكي كل السنين التي ضاعب هباءً منثورًا دون أن نصنع الذكريات، وكل هذا بسبب تجبر الاحتلال وظلمه. 

لأعرفكم عن نفسي كما أحب، أنا سلسبيل رمضان مشاهرة، ابنة الأسير البطل رمضان مشاهرة عمري ٢٢ عامًا، وأدرس الهندسة المعمارية في جامعة بوليتكنك فلسطين. اُعتقل والدي وأختي لم تر النور بعد، وأنا كل ما أذكره منه صورة. لم تكن لي ذكريات طفولية أحتفظ بها معه كالصغار، ولكني سأعيدها كلها من جديد حين تحرره، سأعوض كل المشاعر التي لم أعشها كما يجب. 

كبرت الطفلة التي كانت هادئة تشتاق لوالدها، تريد أن تعرفه عن قرب، وأصبحت عروسًا وهنا كانت الغصة التي لا يدوايها أي شيء في الدنيا، خرجت من بيتنا دون أن أحتضن يدي أبي، دون عباءته، كان قلبي فارغًا يشتهي دفء الأب وحنانه. 

أبي الرجل، الحافظ لكتاب الله، كان في كل زيارة يسألنا عن حالنا مع القرآن الكريم والقراءة والمطالعة. يشجعنا على التثقف في كل الأمور. أختي شهادة، بفضل الله، حافظة للقرآن الكريم بتشجيع من والدي الذي كان يتابعها في كل زيارة لنا، ويخبره عن فخره بها وبنا، ويا لسعادته حين أتمت الحفظ.

طريق طويل وتنغيص وتفتيش وتنهيدات عديدة من منبع القلب حين نذهب ليتروي القلب باللقاء، ولكن كل هذا يهون في سبيل نظرة واحدة من أبي ليتلاشي كل شعور بالتعب. 

لأخبركم عن السيدة التي أفنت حياتها لأجلها والله كل الأبجدية لا تستطيع التعبير عن ما فعلته لنا، أو وصف قوتها وصبرها. ثابتة قوية ورثتنا الثبات والإرادة. لا نوافيها حقها والله، فليحفظها الله وليفك أسر والدي. 

لم يكن أبي رجلًا سلبيًا قط، بل يحاول بكل ما أوتي من قوة أن يسجل لنا إنجازات من داخل الأسر، يُشار لها بالبنان ويقال هذا هو رمضان مشاهرة، والدي أنجز كتاب مصحف الحفاظ والذي يعتبر من أضخم الأعمال المعاصرة خدمةً للقرآن الكريم. خرجت نواته من أطهر بقاع الأرض، وسطعت أنواره من ظلمات ليل السجن الحالك. الكتاب فيه عشرات الوسائل المساعدة، والطرق الدالة المبتكرة لحفظ كتاب الله، وتعرض لأول مرة للحافظين والباحثين والقراء.

وبزغت الفكرة لوالدي الحافظ لكتاب الله والذي كان مسؤولًا عن مركز النور لتحفيظ القرآن في السجون، حين رأى الصعوبات التي تواجه الحفاظ ومدى صعوبة تثبيت الآيات المتشابهة لفظًا والأخطاء الكثيرة في فواصل الآيات وغيرها. 

 عشر سنواتٍ، وعشراتِ آلاف الساعاتِ من العملِ الدؤوب، مادةٍ مَليئة بالتفريعات، تحتاج للجهد والوقت، ثم عقباتٍ وصعوبات، آلاف المسودات التي صمدت بشكلٍ أسطوريٍ أمامَ عشراتِ التفتيشاتِ والتنقلات، بحفظِ الله عزَ وجلَ.

"إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ"... كلما غمرتني الدنيا من كل جانب باليأس رددت الآية بقلبي، فيغمرني شعور بالأُنس والراحة.

لطالما فكرت حين يتنسم والدي الحرية ماذا سنفعل؟ مع أن هذا في حسابات المنطق مستحيل كونه محكومًا بالمؤبد، ولكننا نقتات الأمل ونحيا به، لربما أول شيء سنفعله له إعداد المنسف الذي يحب بخبز الطابون التي تصنعه جدتي، وهو سيزور المسجد الأقصى ليروي قلبه الذي فاض من الحنين. 

والدي ليس الوحيد في عائلتنا المعتقل في سجون الاحتلال الإسرائيلي، عمي فهمي يقضي ٢٠ مؤبدًا كوالدي وله من الأبناء أربعة منهم اثنان من النطف المهربة، والآن ممنوعون من زيارته منذ ثلاثة أعوام.

أخيرًا أود القول.. نحن أبناء الأسرى يجب علينا الوقوف صامدين ثابتين، متحدين كل الصعاب والآلام، لأن هذا شرف لنا أن نكون ممن كان آبائهم يدافعون عن أرض الوطن ولقد أسروا لأجله.