بعد يوم طويل نختمه عادةً بمحايلة طويلة للذهاب إلى السرير، وقراءة المعوذات، وبعض من الأسئلة الوجودية من إلهام ذات السبع سنوات؛ عن الله ونكهات المثلجات الموجودة في الجنة، وعن العالم السُفلي، وحقيقة وجود جنيّة الأسنان من عدمها. يأتي دور القصة، قصة محشوة بالخيال كما تفضلانها، عن الساحرات والأقزام والحوريات.

لكن هل انتهينا؟ طبعا لا، ننتقل الآن لفقرة "غنّيلي" بطلب من ماريّا ذات الثلاثة أعوام، نقوم فيها بترديد ترنيمة فيروز "يلا تنام" وهي مهمة ليست بالسهلة كما يظن البعض، فعليك أن تلتزم بنغمة صوت منخفضة جدًا مع الحفاظ على اللحن وطبطبات خفيفة باليد على الصدر بتناغم إيقاعي على وتيرة واحدة لمدة تتراوح من عشرة إلى عشرين دقيقة حتى يأتي فرج الله، وتستسلم الأجفان الصغيرة الناعسة للنوم.

هذا ما اعتدنا عليه كل ليلة تقريبًا، حتى تلك الليلة التي يبدو أنه غلبني النوم قبل الغزالتين، وما زالت العيون الصغيرة معلقة بالسقف، جاءني هاجس أشبه بالفتح الرباني، وقد كانوا كثيرًا ما يقولون لنا ونحن على مقاعد الدراسة بأن ما يصعُب عليك حفظه أو فهمه كررهُ قبل أن تنام لأن الدماغ يستمر في عملية الفهم والتحليل حتى خلال نومك.

 شعرت بتيار يسري في كل جسدي، تأنيب كوخز الإبر يستفز كل خلية عصبية في جسمي. إذا أنا أضيع أهم ساعة في اليوم بترديد ترنيمة عن ذبح الحمام، وريما التي لا يعرفانها.

اقرأ أيضًا: أكثر من مجرد حكاية ما قبل النوم

هذه الساعة التي يُغلق فيها باب العقل الواعي لتتفتح أبواب العقل اللاواعي على مصراعيها حيث الإمكانيات الخارقة والقوى الكامنة للعقل الباطن، هذا العالم الذي يعيد صياغة السلوك والمبدأ أن فهمناه. فقد أثبتت الدراسات أن العقل يستمر في عملية تحليل ومقارنة ومراجعة لكل ما سمعه قبل نومه.

لذا حدّثوا أطفالكم عن قضايا الأمة العظمى، عن سير الصحابة والتابعين، عن الأقصى ومعالمه وواجبهم اتجاهه، عن الأسرى وقضيتهم، عن مجريات اليوم، عن العلوم والفضاء والمجرات، اطرحوا عليهم مشاكل ليخلقوا لكم حلولًا، استفزوا كل ذرة حيّة فيهم يكفي هذه الأمة ما عاشته من خيال.