بنفسج

العيد بهجة: كيف نستقبل جائزة الصيام؟

السبت 22 ابريل

جميعنا نتفق أن عيدي الفطر والأضحى فرحتا المسلم المشروعتان، وجميعنا نمتعض من الخطأ الذي يصدر عمّن يقضون أيام السنة في مشاويرٍ، وإقبالٍ على الحياة، ثم إذا جاءت أعياد الأمة الإسلامية الرسمية يمطروننا بمنشورات يائسة: "عيد بأية حالٍ عدت يا عيدُ". ولديّ حول هذا بعض الخواطر أحبّ بدءَ حديثي بها: لماذا يشعر الناس بالإحباط في عيدِهم الخاص؟ لستُ هنا أبرّر، لكنني أبحث عن الأسباب.

أظن أن مَن يعيشون مثل هذه الحالة الشعورية لا يشعرونها لقلة انتمائهم بمناسباتنا الإسلامية، على العكس، ربما هم لشدّة انتمائهم يتوقعون سعادةً استثنائية جدًا في يوم العيد، هم مرتبطون به إلى حدّ أن يعلّقوا عليه آمالهم كلها، فعندما يأتي عاديًا وبسيطًا ربما يحبَطون لأنهم ظنوا في البداية أن العيد لا بد أن يكون مذهلًا، مليئًا بالتغيرات الإيجابية، فإن نغصته بعض المواقف أو النواقص خاب أملهم.

لماذا يشعر الناس بالإحباط في العيد؟

 
التوتر الحاصل إثر عدم القدرة، يُنشِئ شرارة في البيوت تنتهي بشجارات أصبحنا ندعوها رسميًا بـ (شجار العيد) وكأنه شجارٌ واجب، كما أن اجتماعات التي لا يعقدها أفراد واعون ومتحابون، تزيد الطين بلة وتوسع دائرة شجار العيد، لتشملَ من هم أبعد وأعمّ من الأسرة الصغيرة. ولا ننسى أحوال بلادنا الإسلامية الصعبة والشدّات المختلفة التي يمر بها المسلمون، فهي رغمًا عنهم تؤثر في مقدرتهم على استقبال العيد.
ومن هنا أنطلق إلى سبب آخر وهو عدم قدرتهم على الوفاء بمتطلبات العيد لسوء أحوال المعيشة، وعدم قدرتهم على إسعاد أنفسهم وأطفالهم بالشكل المثالي الذي تمنّوه.
التوتر الحاصل إثر عدم القدرة، يُنشِئ شرارة في البيوت تنتهي بشجارات أصبحنا ندعوها رسميًا بـ (شجار العيد) وكأنه شجارٌ واجب، كما أن اجتماعات التي لا يعقدها أفراد واعون ومتحابون، تزيد الطين بلة وتوسع دائرة شجار العيد، لتشملَ من هم أبعد وأعمّ من الأسرة الصغيرة. ولا ننسى أحوال بلادنا الإسلامية الصعبة والشدّات المختلفة التي يمر بها المسلمون، فهي رغمًا عنهم تؤثر في مقدرتهم على استقبال العيد.

اقرأ أيضًا: صانع البهجة: العيد أم نحن؟


علامَ يدلّ ظنّ الناس بأنّ العيد هو الموكَل بإسعادهم؟ في الحقيقة الأسباب التي ذكرتها سابقًا، وظنُّ الناسِ أن العيدَ هو الذي يجب أن يسعدهم بأحداث استثنائية لا يدَ لهم في إحداثها، تدلّ على أنهم قد يقصرون في بذل جهودهم من ناحيةِ الفرح بالعيد. كيف ذلك؟

السعادة أمر نسبي وجدلي ولم تحل معضلتها حتى الآن، لذا، فلكي نقضي عيدًا سعيدًا علينا ببساطة: التظاهر بالفرح، كما نتظاهر بالقوة لتصدق أنفسنا أننا أقوياء وقادرون، ثم تصدق أننا فَرِحون حقًا، التغافل عن النواقص، واتخاذ قرار مسبق بأننا في أول أيام العيد لن نلتفت لأي إزعاج ولن نسمح للظروف بتعكير مزاجنا هي أمور إرادية، ما لم نفعلها بأنفسنا لن تحدث لنا بل سنظل ننتبه لما ينقصنا فحسب.

كيف نسعِد أنفسنا في العيد رغم الصعوبات؟

عيد.jpg
أحيوا العيد بسنة التكبير والأناشيد المحببة في العيد

الاقتراحات كثيرة ومتعلقة بطبيعة عيد كل شخص، لكن الأمثلة قريبة، ومنها افتعال أجواء بهيجة، الذهاب في نزهة أيًا كانت، ابتياع الحلوى وصنعها ولو بأقل ميزانية، معايدة الأقارب، الإنشاد والترنم منذ صبيحة العيد بالتكبيرات والأناشيد المُحبَبة وغرس الابتسامة على ملامحنا وتقاسيمنا، رفعُ مزاجنا أمر عائد إلينا، مع أنه صعب ولا أنكر ذلك، لكنّ يوم العيد الذي سنّه الله لنا يستحق هذه المحاولة.

أرأيتِ كل ما سبق، لدي تعقيب بشأنه قبل أن أنتقل للحديث عما نضيفه نحن النسوة إلى أجواء العيد. الدين يهذّب النفوس ويسنّ لها الفرح ضمن منهج متكامل: ما الذي أقصده بعنواني الفرعي هذا؟ نعلم أن من ضمن الافتراءات على ديننا الإسلامي هي أنه ليس دينًا بهيجًا، وهناك تضييق على أساليب الفرح فيه، وقواعد تحكم سلوكياتنا في العيد وغيره.

في الحقيقة، الدين لا يأتي ليرفّه عن الناس، بمعنى أن وظيفته ليست ترفيهية، الدين نظام متكامل يفرِد للفرح مجالًا فيه بالتأكيد، لكنّه في الأساس يهذّب نفوسنا، يعدّنا للآخرة، يطلب منا الصبر على صوم رمضان الذي يأتينا العيد بعده، ففكرة العيد الأساسية أنه فرحة بعد صبر، الأفراح التي بِلا مجهود أو بلا طاعة قبلها أفراح ناقصة وقليلةُ الارتباط بالإسلام.


اقرأ أيضًا: "العيال لم تكبر بعد": عبق العيد في مسرح أبيض وأسود


لم يخبرنا ديننا كيف نفرح بالتفصيل أو يجبرنا على طريقة، فطبيعة الأزمان تختلف، والبذخ والإسراف في زمن مختلف عن زمن آخر، ولكل بلد وثقافة عيدها الخاص، إلا أنه علمنا ألا نتجاوز الحدود عندما نفرح في العيد، لأن ذلك يلغي فكرة العيد من أساسها، فكما قلنا هو فرح لأدائنا للطاعة وليس أي فرحٍ بلا أساسٍ عميقٍ خلفَه.

لذا فكما نمتعض ممن لا يستقبلون العيد ببهجة، من الطبيعي أن نمتعض ممن يتجاوزون النواهي أول أيام العيد، أو ممن يتهافتون على العيد دون أن يعطوا رمضان حقَه، فكيف يتصالح مع نفسه شخص لم يصم رمضان واستمر في أخطائه (المتعمدة) خلال الشهر العظيم، ثم كان أول الراكضين لابتياع ثياب وحلويات العيد؟ لا يصح أن نترك واجباتنا ونبحث عن حقوقنا بهذه الطريقة التي لا تنمّ عن توازن ولا اتساق في الأفكار. فإن اتفقنا على كل ما سبق نأتي لموضوعنا الأهمّ، وهو تميز العيد الذي تعتني به النسوة عن أي عيد آخر.

الأنثى في العيد

العيد.jpg
الأنثى هي من تصنع أجواء العيد في المنزل بتحضيراتها الجميلة لاستقباله

تعتبر الأنثى أن سعادةَ الآخرين في العيد مسؤوليتها وأنه حدث تنتجه بنفسها لهم: بداية يجب أن أركز على أهمية تقاسم الأدوار في كل شيء، فليس المقصد بمسؤولية الأنثى عن مباهج العيد هو إجبارها على ذلك، لكنني أسلط الضوء على نقطة أعمق، وهي أن الأنثى بطبيعتها ميّالة لأخذ أمرِ سعادة من يخصونها على عاتقها، ولا أعني أنها مطالبة بشكل قسري على إسعاد شخص لم يحاول ولم يود أن يسعد.

الفكرة أكثر دفئًا من ذلك، المقصد يتضح عند النظر لأي جدة أو أم قبل حلول العيد، وجميعنا نعرف كم تحتفي جداتنا بالأعياد احترامًا لشرع الله، ثم حبًا لأبنائهن وأحفادهن إلى درجة أن العيد قد يكون الجدةَ بحد ذاتها.

وليس مستبعدًا إذن أن يكون العيد شخصًا، شخصًا يسعى لجبر خاطر مقرّبيه وإبهاجهم، وكثيرًا ما تكون الأنثى أيًا كان دورها في البيت، فهي لا ترضى أن يستقبل أهلها العيد بلا حلويات أو بلا زينة أو بلا فعالية تبتكرها بنفسها، فتصنع الأجواء التي سبق أن تحدثنا عنها.


اقرأ أيضًا: "بدنا نروح ع العيد": عن الترويحة في المخيال الفلسطيني


ولكل أفراد العائلة نصيب، لا نغمط أحدًا حقه، فالرجل الذي كدّ طوال رمضان ليؤمن عيدًا كريمًا لأسرته، وحرص على توزيع الهدايا والعيديات في العيد هو أيضًا يهتم بعيد أسرته، الفارق فقط في التفاصيل التي تنتبه إليها الأنثى لأنها تفاصيل أكثر دقة، وبالطبع ما لم يتعاون معها رجلٌ كريم متقبل لأداء ما تلفت انتباهه إليه فسيذهب جهدها سدى.

ختامًا، لا شك أن أقرب فرحة إلى القلب في العيد هي لحظة استلام العيدية، فقد أجمعْنا على أنه مهما كبر الإنسان واختلف موقعه إلا أن العيدية تفرحه، ويفرحه أكثر أن يصبح في نطاق من يمنحون العيدية كما يأخذونها، وحتى لو وصفت النكتة ذلك بأنه تداول للأموال نفسها بين الأشخاص أنفسهم إلا أن ممارسة هذه الحيلة لطيف ومحبب، هكذا أمنحك عيديتك وتمنحينني عيديتي ونضحكُ من طرافة الأمر فيزداد العيد بهجةً.