بنفسج

1090 ساعة! ..كانت حكايتي مع التطوّع

الجمعة 12 يونيو

1095 ساعة!.. احتجت للنظر مرتين للشاشة حينها، وطلبت من صديقتي قراءة الرقم مجددا لي، 1095 ساعة تطوع في جامعة بيرزيت في 4 سنوات، مع أن متطلبات التخرج 120 ساعة فقط، ولكن كيف صار الرقم 4 خانات؟ وما الذي ساعد في ذلك؟ هذه حكاية اليوم، أو ربما بداية الحكاية أو منتصفها!

أحب العمل كثيراً، أحب دائما أن أجد أجندتي مليئة بالمهام وأستلذ بوضع "تم" بجانب كل مهمة أنجزها، وأحب الناس وتكوين الصداقات واستكشاف الحياة، وأحب مجتمعي أيضا، ربما هذا ما دفعني للتطوع أول مرة عام 2003 في النادي البيئي المدرسي لجمع الزجاجات الفارغة والبطاريات، وربما هناك تحديداً خُلق الحبُ والدافع.

في آذار عام 2007 انضممت بشكل رسمي إلى الهلال الأحمر الفلسطيني وكنت حينها في سن 12، واستمر تطوعي 5 سنوات في النوادي الصيفية وتنظيف الشوارع وغيره، وفي 2012 بدأت الأنشطة تتنوع أكثر، ففي بيرزيت، يمكنك مساعدة المسنين ومرضى السرطان والمزارعين وعمال النظافة، وفتح الشوارع عند تساقط الثلوج، وفي التحضيرات للأيام المفتوحة والمهرجانات وترميم منزل هدمته الأمطار في الأغوار وكل ما يخطر ببالك.

كم ساعة ستسجل لك؟ قلت له:"لا أعلم وليس مهما، فأنا أستمتع في هذا" وكانت إجابتي حقيقية تماما.

4 سنوات في بيرزيت كانت كفيلة بخلق فنتينا جديدة تقريبا، بت اجتماعية أكثر، أفكر بشكل منطقي أكثر، معرفتي بالأشياء وبالناس اتسعت، ورقعة علاقاتي الاجتماعية أصبحت أكبر، ووعيي وإدراكي في الحياة اختلف، وخلال تطوعي الدائم والمتكرر لم أفكر ولو للحظة "كم ساعة سأنال؟!" لم يكن السؤال مهماً حتى، فأنا لا أحتاج أي مقابل، وأذكر في أول نشاط شاركت به وكان التحضير لمعرض في الجامعة إذ سألني أحد رجال الأمن، كم ساعة ستسجل لك؟ قلت له: "لا أعلم وليس مهما، فأنا أستمتع في هذا" وكانت إجابتي حقيقية تماما.

قد يظن البعض أنني كنت أقضي وقتي في الأعمال التطوعية فقط، ولكن هذا ليس دقيقا فأنا كنت أدرس تخصص الإذاعة والتلفزيون "تخصص من لا يريد النوم"، وحافظت على معدلٍ تراكمي فوق ال90 ومقعد دائم في لائحة الشرف، ففي بيرزيت تعلمت أن تنظيم الوقت يجعل كل اللاممكن ممكنا، فكنت أدرس وأتطوع وأقرأ وأزور عائلتي وأخرج مع أصدقائي، وأنام 6-7 ساعات يوميا.

بعد التخرج، خفت أن يسرقني العمل من التطوع وأصبح روتينية، ولكنني سرعان ما وجدت نفسي في وزارة التربية والتعليم أتطوع في تسجيل الكتب، ثم في ناسا بالعربي وهي مبادرة شبابية عربية لترجمة المقالات وتسجيلها، ثم في الرفق بالحيوان، وبعدها في غلوبال شيبرز للعمل على حملات اجتماعية للحد من بعض الظواهر كتدخين الأطفال وغيرها.

ربما نسأل أنفسنا، ما الفائدة من التطوع؟ لماذا نتطوع؟ أعتقد أن أكبر محدد لانتمائنا لفلسطين والمجتمع ولأنفسنا هو التطوع، لأن العطاء يرتبط بالحب، والانتماء لم ولن يكون أبدا بشعارات الفيسبوك أو بزي نرتديه يوما أو اثنين خلال العام، بل بالعمل، فإذا أنت أحببت نفسك ستسعى دائما لتطويرها واكتساب أصدقاء وتوسيع مداركك، وهذا يوفره التطوع لك، وإذا أحببت مجتمعك ووطنك فأنت ستحاول إصلاح الثغرات فيه علّك توفر مستقبلا أفضل لك ولأولادك يوما ما.

لا بالطبع، فالتطوع هو ما ينبع من ذاتك، فمثلا لو كنت تتدرب في مؤسسة إعلامية فهذا ليس تطوعا، هذا عمل وأجره يأخذه غيرك، والتطوع لا يحتاج مؤسسة لتنظيمه أو جلب الأنشطة لك، فلو أنت مثلا أزلت كيس قمامة عن الأرض، أو ساعدت صغيرا أو مسنا في قطع الشارع، فهذا أجمل تطوع.

لنتخيل أنّ كل الفلسطينين متطوعون، ما أجمل الصورة في ذهنك، أليس كذلك؟ المزارع مليئة بالأيدي الفتية التي تعمل بجد لتحقيق الاكتفاء الذاتي، والشوارع نظيفة وعامل النظافة لا ينظف خلف الناس، بل خلف الريح أو المطر الذي أغفل أن هناك حاوية على جنب الشارع فترك كيسا أو ورقة شجر على الأرض.
لنكمل الصورة في ذهنك، طلاب الجامعات يساعدون طلبة المدارس في دروسهم، وطلبة المدارس يساعدون عائلاتهم في الأعمال الجماعية، والكل يعمل على التطوع في فصل النفايات التي ستصبح فيما بعد ثقافة ويغدو المتطوعون خالقي أفكار لتدوير النفايات وإعادة استخدامها في صنع المقاعد والمظلات وأدوات للتزيين.

أتعلم ماذا يعني التطوع في كل ما سبق؟ يعني تحسين الحالة الاقتصادية، وتقوية العلاقات الاجتماعية، وتخفيف التلوث، ورفع مستوى ثقافة وإدراك المجتمع وانتماء الناس، والمساهمة في جعل فلسطين أجمل وأنظف.

لديك سيارة ولجارك سيارة، وكلاكما تعملان في ذات المنطقة أو ذات المدينة، اليوم تخرج معه وغدا تصحبه أنت، وبالتالي تسير سيارة في الطريق وليس اثنتان، ولا داعي للعن الأزمة حينها.

أتعلم ماذا يعني التطوع في كل ما سبق؟ يعني تحسين الحالة الاقتصادية، وتقوية العلاقات الاجتماعية، وتخفيف التلوث، ورفع مستوى ثقافة وإدراك المجتمع وانتماء الناس، والمساهمة في جعل فلسطين أجمل وأنظف.

وأنا اكتب سطوري هذه، تخيلت كل شيء وابتسمت، وأنت ربما ضحكت علي وقلت هذا خيال، ولكن ما ضرب الخيال في الموضوع، أنا لم أطلب جلب بلوتو إلى متحف بيرزيت، بل طلبت انتماءً أكثر للمجتمع وأهمية العمل فيه، ربما كانتمائك لهاتفك الذي لا يفارقك أو لألعاب الفيديو أو للأفلام التي تشاهدها كل يوم.

هل سيأتي اليوم الذي سأجلس فيه مع أطفال صديقاتي أو أطفالي ربما لأخبرهم عن حركة الشباب المجتمعي التي جعلت التطوع مغروسا فينا ومن يومها لليوم وفلسطين تزداد جمالا والناس تعطي وتقدم ولا تفكر في المقابل؟ أتمنى ذلك، وإن لم يحصل، لن أحرمهم الحكاية بل سأقص عليهم قصص المجتمع وأشكو لهم، علّهم هم من يرفعون راية التغيير الاجتماعي.