بنفسج

"عودك رنان".. ترانيم شرقية تخُط دارا للعربية

الجمعة 12 يونيو

لحظة جنون واحدة كانت كفيلة بولادة "دار هناء" للخط العربي. في ليلة ماطرة كانا رفيقا الدرب يسيران تحت النجوم والمطر، فلمعت في رأس هادي فكرة؛ أن يشترك مع زوجته هناء الموهوبة بتخطيط الخط العربي بمهارة، بمشروع غير مألوف، تناول ورقة من الكرتون وبدأ يرسم عليها أفكاره بشغف، ورفيقته تنظر له ببلاهة وتقول: "لا إنت مجنون!".

| الملهم الأول

دار هناء للخط العربي.jpg
حائط دار هناء للخط العربي، لصاحبته المهندسة الفلسطينية هناء حمارشة

الفلسطينية هناء حمارشة، خريجة الهندسة الكيميائية، وصاحبة الخط المذهل، ورثت موهبتها من والدها ملهمها الأول، والذي حرص على تعليم ابنته الصغرى خط الرقعة منذ أن كان عمرها أربع سنوات، وضعها على أول سلم النجاح، ثم جاء زوجها هادي ليلهمها من جديد أن تكمل دربها حتى النهاية.

تقول لـ "بنفسج": "وأنا في الروضة كان والدي مهتم باللغة العربية، ويصر على تعليمي خط الرقعة منذ طفولتي، واهتم بقراءة الكتب لي في سن مبكر جدًا، وقراءة أشعار الحلاج وابن الفارض والبردي".

الخطاطة الفلسطينية، عكفت طوال دراستها الجامعية على البحث عن مراجع تتعلق بالخط العربي وبالخطاطين العرب، والتحقت بدورات عديدة، لتصل إلى ما هي عليه الآن، تضيف: "التقيت بهادي في الجامعة، درسنا الهندسة سويًا، كان يشبهني للغاية، فهو صاحب ذوق موسيقي عالٍ، وعازفٍ بارعٍ، يقدّر الفن والجمال، آمن بي وبموهبتي، وهذا جعلني تحت مسؤولية كبيرة".

لم تنفك هناء أثناء حوارها لـ "بنفسج" أن تذكر زوجها الذي لولاه لما وصلت إلى ما هي عليه الآن، كلما يأست، تجده خلفها يعزف لها معزوفة موسيقية ويدعمها بحبه، لم يتخل عنها ولو للحظة، إن سقطت يومًا ترتطم بقلبه.

| رفيق دربها وحصنها الدائم

 
دار هناء

نقدم لكم الفيديو الذي يحكي حكاية عام ونصف من الحلم و العمل 🌸 ..نأمل أن ينال إعجابكم تصوير و إخراج Waseem al zain - وسيم الزين عود : هادي الصدر إيقاع :يوسف أبو شنب تسجيلات :ميجا ساوند

Julkaissut ‎دار هناء للخط العربي‎ Torstaina 5. syyskuuta 2019

"لا تجزع من جرحك وإلا كيف للنور أن يتسلل إلى باطنك"، ظهرت هناء في مقطع فيديو تحيطها الطبيعة الخلابة وزرقة السماء، تخطط مقولة جلال الدين الرومي بصحبة هادي الذي كان يعزف معزوفة موسيقية لأنور إبراهيم، برفقة صديقه الدائم "العود"، تضيف: " قررنا أن نفعل شيء يشبهنا في مجموعة فيديوهات مصورة، وندمج بين الموسيقى والفن، وأطلقنا عليه حوار الخط والعود".

صديقها الأبدي شجعها للبدء بـ"دار هناء"، وتم البحث عن مكان في مدينة طولكرم والاتفاق مع فريق متكامل من مصممين ديكور وإداريين؛ لوضع خطة تصور شاملة للمشروع، وفعليًا سطع نجم المشروع في مدة قليلة، ولاقى رواجًا واسعًا في أوساط الضفة الغربية.ضيفة بنفسج، تضيف: "كنا مع الفريق التسويقي للمشروع لحظة بلحظة نقترح وننفذ، ونتلقى المشورة من المستشارة الإدارية للمشروع، آلاء بهيج".

كان من المقرر أن يتم افتتاح المشروع في آذار/مارس الماضي، ولكنه تأخر حتى سبتمبر، خلال تلك الفترة شعرت هناء بيأس وندم، تقول: "مع الضغط، كانت تأتيني وساوس لدرجة أنه قلت لهادي، ما بدي أكمل خلص، ما بدي مشاريع خسارة على فلوسنا تروح".

هادي الحصن الدائم لهناء، شجعها ولم يترك لها مجالًا لليأس مرة أخرى، قبيل الافتتاح بشهر واحد، كانوا يسابقون الزمن لإنهاء جميع اللوحات، يعملون حتى ما بعد منتصف الليل، تذكر هناء أنه في مرة أعادت تخطيط اللوحة 40 مرة حتى تصبح بالشكل الذي تريده.

| "دار هناء" حكاية اليأس والحب

 

رفيقا الدرب تظهر لمساتهم الخاصة في كل شيء يتعلق بهم، جمعتهم أروقة الجامعة، ليدرسا الهندسة معنا،  تصفه هناء فتقول: " "التقيت بهادي في الجامعة، درسنا الهندسة سويًا، كان يشبهني للغاية، فهو صاحب ذوق موسيقي عالٍ، وعازفٍ بارعٍ، يقدّر الفن والجمال، آمن بي وبموهبتي، وهذا جعلني تحت مسؤولية كبيرة".

 

"بطاقة دعوة فرحنا صممتها بنفسي، وكتبت جملة عودك رنان، ورسمت عود هادي، حتى أننا نختار هدايا لأصدقائنا من إنتاجنا، وعكفت أيضًا على تصميم بطاقات الأفراح".حين زينت اللوحات والأعمال جدران المتجر، وضعت هناء يديها على قلبها وتنفست بعمق، كجندي رجع لتوه من حرب كان موته فيها محتومًا، وفي صباح اليوم المرجو، استعدت لاستقبال الزوار والإعلاميين، تقول: "لم أتوقع أن يكون منظر الدار بهذا الشكل، فقد فاق جماله كل توقعاتنا".

ضيفة بنفسج تبغض الالتزام بشيء معين وتحب الحرية، تضيف: "ليس دائمًا تكون لدي الرغبة الفنية، أحب الجلوس بمفردي، وممارسة التأمل، وبعد ذلك يأتيني الإلهام وأخرج بنتائج وأعمال مذهلة".

"دار هناء" لا تقتصر فقط على بيع اللوحات المصنوعة بالخط العربي والديكورات المنزلية، بل يوجد لديهم حقائب من الجلد الطبيعي المخططة، إضافة إلى عقد دورات بالخط الديواني وأمسيات فنية موسيقية برفقة العازف هادي.

رفيقا الدرب تظهر لمساتهم الخاصة في كل شيء يتعلق بهم، تتابع هناء: "بطاقة دعوة فرحنا صممتها بنفسي، وكتبت جملة عودك رنان، ورسمت عود هادي، حتى أننا نختار هدايا لأصدقائنا من إنتاجنا، وعكفت أيضًا على تصميم بطاقات الأفراح".

الخطاطة هناء، تعتبر الخط العربي إرثاً يجب ألا يندثر بمرور الزمن، تدربت على يد خطاطين كبار، وطورت موهبتها بنفسها، عقدت جلسات تدريبية مع نفسها لتكتب الحرف بطريقة ترضيها، حتى أنها كتبت أحد الحروف ألف مرة لتتقنه.

| حماس الأحبة وحب المتابعين

هناء.jpg
الخطاطة الفلسطينية وقد بدت سعادتها بإحدى اللوحات التي أنجزتها. 

بصوت رقيق وبحماس جميل، تُحدثنا هناء عن رحلتها في أوروبا مع هادي، تقول "التقيت مع رسامين وخطاطين، سعدت بلقائهم، وزرت جميع متاحف إيطاليا، تأثرت جدًا باللوحات الفنية المخلدة هناك، واستوحيت فكرة الرسم والتخطيط على حقائب الجلد الطبيعي".

حين تفعل أشياءك المفضلة بحب يظهر للناظرين أثر حبك عليها، تحدثني هناء والفرحة تظهر على صوتها، وبضحكة رقيقة عن رد فعل رواد مواقع التواصل الاجتماعي وتعليقاتهم على أعمالها التي تحرص على الترويج لها باستمرار، تقول "أكثر تعليق أحببته "دار هناء للإفلاس".

"إن الذي ملأ اللغات محاسنًا، جعل الجمال وسره في الضاد"، بيت الشعر هذا كتبته هناء على "الكيس" الخاص بالدار، فنال تصميمه إعجاب الكثيرين، فوصلها تعليق طريف من أحد الأصدقاء: "بنفع ما نشتري شي وتحطولنا كيس جوا الكيس".

ضيفة بنفسج، تختار مع زبائنها الجمل التي يريدون تخطيطها؛ فذات مرة جاءها شاب يريد أن يهدي خطيبته المغتربة بألمانيا لوحة فنية، والحيرة تظهر على وجهه، أي الألوان يختار، فشارك هناء مكتب خطيبته واللون الذي تحبه لتساعده في اختيار المناسب.

"ما كذب الفؤاد ما رأى"، الجملة الأقرب لقلب ضيفة بنفسج، أما أول جملة كتبتها حين انغمست بعالم الخط العربي فهي "زدني بفرط الحب فيك تحيرا"، هناء تحرص دومًا على إحياء أبيات الشعر القديمة وتخطيطها، لنشرها بين الناس. أما عن أول قلم خط عربي أهداه لها والدها، ثم جاء هادي وواصل مسيرة الأب الملهم، حيث يتعمد أن يهديها في أعياد ميلادها أحبارًا وأقلامًا وأدوات للخط العربي من خارج الوطن.

ضيفة بنفسج لا تمل من التعلم تنوى الالتحاق بدورات بالخط العربي في الخارج، على يد خطاطين لهم باع طويل في الخط الديواني، تعتبر نفسها لم تصل لما تريد بعد مهما تعلمت، وأتقنت تظل بحاجة للتمرين والمتابعة لإخراج النتيجة التي ترضيها.

متجر "دار هناء" نقطة البيع في طولكرم، ولكن يمكن توصيل الطلب للزبائن في أي مكان بالعالم، هناء وهادي يعتبران مشروعهم بذرة صغيرة وسط أحلامهم الكبيرة، فهم يطمحون إلى أن يكون لهم امتداد على مستوى العالم أجمع.