بنفسج

لا شيء يخيف.. إنه محتوى عائلي فقط!

الأربعاء 17 مايو

من خلال نظرية "الغرس الثقافي" لـ جورج جربنر، والذي يبين فيها أخطار التعرض للمحتوى الإعلامي للأطفال، حيث تفترض النظرية أن التعرّض للمحتوى الإعلامي يجعل الفرد أكثر قابلية لتبنّي معتقدات اجتماعية تتماثل مع الصورة التي تقدمها المنصات الإعلامية عن الحياة الواقعية، بحيث ترتبط هذه القابلية إيجابيًا مع كثافة التعرّض، فكلما زاد الوقت الذي يقضيه الإنسان أمام الشاشة كلما كان تمثّله وتوحدّه مع ما الرسائل التي تقدمها أكثر.

في تمرين السباحة، وبينما الأطفال يخضعون لقواعد التدريب الصارمة، والأمهات، كما العادة، بانتظارهم، يتبادلن الخبرات التربوية والتعليمية، وبالطبع الوصفات المطبخية، في حالة من التباري غير المفهوم، يكون فيها الأبناء عادةً دلائل وبراهين على نجاح هذه الخبرات ونجاعتها، فوجئنا جميعًا بأصوات الدهشة قادمة مع أطفالنا وهم يلتفون حول فتى صغير لم يتجاوز الثماني سنوات على الأكثر.

 حمل الأطفال صاحبهم، الفتى اللامع، في نظرات الانبهار والفخر حتى وصلوا إلينا بالخبر السعيد، وأعينهم تكاد من فرط الفرحة تدمع، يمتلك الصغير "قناة مقالب على اليوتيوب" يتابعها العشرات، لكنها، بمزيد من الكدّ والاجتهاد من صاحبها، في طريقها لمضاعفة أعداد متابعيها! ثم حدث ما لا يحتاج إلى كثير من النباهةِ لتوقعه، في صوت واحد يشبه كورالًا محفوظًا وجدت الأمهات أنفسهن أمام الطلب المنتظر: ماما أريد أن أُنشئ قناة على اليوتيوب؟ لماذا؟ لكي أصبح غنيًا ومشهورًا!

من خلال نظرية "الغرس الثقافي" لـ جورج جربنر، والذي يبين فيها أخطار التعرض للمحتوى الإعلامي للأطفال، حيث تفترض النظرية أن التعرّض للمحتوى الإعلامي يجعل الفرد أكثر قابلية لتبنّي معتقدات اجتماعية تتماثل مع الصورة التي تقدمها المنصات الإعلامية عن الحياة الواقعية، بحيث ترتبط هذه القابلية إيجابيًا مع كثافة التعرّض، فكلما زاد الوقت الذي يقضيه الإنسان أمام الشاشة كلما كان تمثّله وتوحدّه مع ما الرسائل التي تقدمها أكثر.

حسب استطلاع أجرته مجموعة إن بي دي البحثية الأمريكية، فإن ٤٠٪ من الأطفال الذين بلغوا ١٤ عامًا أو أقل، يشاهدون مقاطع فيديو على اليوتيوب مرة أسبوعيًا، على الأقل، من بين هذه المقاطع المصورة نَما أكثر فأكثر المقاطع التي تعتمد على الأطفال كعناصر أساسية في المحتوى الذي تقدمه، خاصة تلك التي تقدم محتوى "عائليًا" يعتمد على نقل يوميات تلك العائلات، والتي غالبًا ما تأخذ شكلا ترفيهيًا بتجربة ألعاب جديدة، أو صنع "مقالب وتحديات" بين أفراد الأسرة في أجواء مفعمة بالبهجة والسعادة والإثارة، لا تشبه، ولا يمكن أن تشبه، الأجواء العائلية الطبيعية التي يعيشها الأطفال مع أسرهم يوميًا، وهذا أول الخطر حيث تقدم هذه القنوات للطفل تصورًا خاطئًا أو قاصرًا في أفضل الأحوال عن الطبيعة المتوقعة للحياة.

كما أن الاستعراض اليومي للحياة المرفهة المليئة بالألعاب والفنادق والسفر، تلك التي يستطيع الأب أو الأم أو كلاهما التواجد الدائم ضمن أجواء مرحة لا يعكّر صفوها أي انضباط تربوي أو تعليمي، إلاّ ما يأتي في إطار اللعب والفكاهة، لا يمكن أن يستقيم والحياة الطبيعية التي يعيشها الطفل يوميًا بين أسرته، والتي لا يمكنها بحال من الأحوال أن تتشابه مع هذه التي يراها على الشاشة يوميًا، ففضلًا عن الإمكانات المادية العالية التي لا تتوافر لغالب الأسر، فهناك أيضًا الوقت والرفاه النفسي، وغياب الانضباط والكثير مما لا يتسق، وحياة نعيشها ضمن أسرة ومحيط اجتماعي واسع، فيه من الضغوط والصعود والهبوط ما يجب أن يعايشه الطفل.

كما أنه ومع "كثافة المشاهدة" وانحسار دوائر العلاقات الاجتماعية، لا سيما في هذه السن الصغيرة، هو تحول شخوص عالم اليوتيوب إلى أصدقاء متوهمين في عقل الطفل، فينشأ الطفل هذه الرابطة الوهمية التي تجمع بينه وبين هؤلاء الفتيان خاصة مع وجود عناصر المشابهة في السن واللغة، وما يبدو للطفل من انكسار حاجز الافتعال، الأمر الذي ينعكس على الرغبة في "المحاكاة" على المستويات القيمية والسلوكية.

وأيضًا الفهم المغلوط الذي يقدمه هذا المحتوى عن معانٍ مهمة مثل السعادة والرضا المعيشي، حيث يحصره قسرًا على "الاستحواذ والتمّلك" الاستهلاكي، فينصّب اهتمام الطفل نحو "الشراء" كقيمة عُليا ونهائية، بغض النظر عن مدى استمتاعه بما يشتريه، أو قدرته على الاستفادة منه، فضلًا عن تراجع رضاه وتكيّفه مع واقعه المعيشي والمادي الذي ينتمي إليه.
 

لقراءة المقال كاملًا، من هنا.