بنفسج

نساء يتحدثن: لكل نافذة حكاية

الأحد 04 يونيو

كنت أتمني دائمًا أن أرصد بعض القصص الحقيقية الملهمة مباشرة من صاحباتها، الحقيقة أني أرى في ذلك أبعادًا غريبة قد تضحك البعض، أشعر مع السير الذاتية بالبعد الحقيقي للحياة، والعمق والحكمة التي يجب ألا نغفلها، وكأنني خرجت من عباءتي وطرت بعيدًا، ثم وقفت لأرى تلك النوافذ المفتوحة، كل نافذة لها قصتها الخاصة جدًا، برتوشها الخاصة جدًا بعمقها ودموعها وضحكاتها، إنه عالم ساحر حقًا، بل ولا أكذب عليكم إن قلت أنني أشعر كما لو كان هناك شيئًا ما يدفع بني البشر الآن للحصول على اختيارات واحدة، ونهايات متشابهة وتفاصيل متطابقة، كتلك التي نراها الآن في المظهر وشكل الشفاة والحواجب وغيرها.

جرح القلب

ما الذي بعدها؟ بعد عام ونصف من الزواج اكتشفت أنه على علاقة بسيدة أخرى على الفيسبوك، يراسلها وترسل له ويغازلها وتغازله، فكانت صدمة لي، إذ لم أشك فيه لحظة من قبل، بكيت وبكيت وبكيت... هل واجهته؟ نعم، ولكنني قررت رغم صدمتي أن أتناسى، خاصة وأنني أقنعت نفسي أنني السبب بالتأكيد.

بدأت أركز من جديد على مظهري وشكلي داخل البيت وخارجه، أعد له المفاجآت، أمر عليه في العمل لنذهب لاحتساء القهوة في أحد الكافيهات. كنت أقول لنفسي: بالتأكيد إنه الروتين يقتل كل شيء، لن أتركه يدمر علاقتنا الزوجية، يجب أن أقاتل من أجل حبيبي كي أملأ حياته.

كم يزعجني أن يفرض علي شكلًا ما لحياتي قد لا يناسبني، إلا أنني أقوم به طواعية برضى وانسياق وخضوع كامل، لأن العقل الجمعي قال كلمته. لذلك اخترت أن أكتب عن سيدات يشبهننا، اخترن أن تكون اختياراتهن ممثلة ومناسبة لهن بوعي كامل ودون توجيه من جاهل بالتفاصيل.

س.م. إحدى السيدات الجميلات، أربعينية. تلفت، بخفة دمها ورشاقة حركتها، نظر كل من حولها، بعد فترة من لقاءاتنا، شعرت أن لديها سيرة مميزة تستحق الرصد لتلهم الأخريات، طلبت منها أن أحاورها وكان ذلك الحوار.

بعد سنين من الشعور بالقهر والتسلط في بيت أهلي، كان ملاذي وملجأي، مررنا سويًا بظروف مادية قاسية في البدايات، أجبرتني على العمل، لتستمر الحياة خاصة وأننا رزقنا بطفلنا الأول، كنت أفعل ذلك بسعادة وطيب خاطر رغم أنه كان مرهقًا لي حينها مع وجود صغيري، ولكنني كنت راضية كل الرضا، يجب أن نجتهد سويًا لبناء مستقبلنا.

كان زميلي في الجامعة، قصة حب ملتهبة كما يقولون، كان أكثر ما يبهرني فيه أنه أحبني كما أنا بلا قيد ولا شرط رغم شعوري أنني لا أستحق كل هذا الحب، بل كنت أسأل نفسي دائمًا: هل حقًا يحبني كل هذا الحب؟ حاربنا ليكون كل منا للآخر، فقد كان أهلي يرون أنه لا يزال مبتدئًا، وأنني لن أستطيع تحمل ظروفه لأنني من عائلة مستقرة ماديًا وأن..وأن، لكنه حدث وكان يوم زفافي، أسعد أيامي على الاطلاق.

نعم، اكتمل الحلم وتزوجنا. كنت أرى فيه نفسي الذي أتنفس، وكأن الدنيا فجأة أصبحت مبهرة ومتأنقة، بعد سنين من الشعور بالقهر والتسلط في بيت أهلي، كان ملاذي وملجأي، مررنا سويًا بظروف مادية قاسية في البدايات، أجبرتني على العمل، لتستمر الحياة خاصة وأننا رزقنا بطفلنا الأول، كنت أفعل ذلك بسعادة وطيب خاطر رغم أنه كان مرهقًا لي حينها مع وجود صغيري، ولكنني كنت راضية كل الرضا، يجب أن نجتهد سويًا لبناء مستقبلنا.

ابتلاء في الولد والزوج

هل الصواب هو الانفصال؟ أم أنها أزمة نفسية أمر بها نتيجة للخذلان، وسيفيق حتمًا بعد هذا الزلزال، وماذا عن ابني الثاني؟ ماذا سيكون مصيره؟ كيف ستكون مشاعره؟ أتذكر أنه في ذلك الوقت كان قد مر على زواجي سبعة عشرة عامًا.
 
 هأنا ذا أمام علاقة جديدة لزوجي، والمضحك في الأمر أنه هو من طلب مني الانفصال بدون طلاق، يعيش كل منا في بيت وحده إلى أن تستقر الأمور. هنا كان التحول، كيف؟ في البداية، كنت أسعى لتشتيت نفسي طوال الوقت، أذهب للتسوق، أسعى لتكوين صداقات، إلخ.

ما الذي بعدها؟ بعد عام ونصف من الزواج اكتشفت أنه على علاقة بسيدة أخرى على الفيسبوك، يراسلها وترسل له ويغازلها وتغازله، فكانت صدمة لي، إذ لم أشك فيه لحظة من قبل، بكيت وبكيت وبكيت... هل واجهته؟ نعم، ولكنني قررت رغم صدمتي أن أتناسى، خاصة وأنني أقنعت نفسي أنني السبب بالتأكيد.

بدأت أركز من جديد على مظهري وشكلي داخل البيت وخارجه، أعد له المفاجآت، أمر عليه في العمل لنذهب لاحتساء القهوة في أحد الكافيهات. كنت أقول لنفسي: بالتأكيد إنه الروتين يقتل كل شيء، لن أتركه يدمر علاقتنا الزوجية، يجب أن أقاتل من أجل حبيبي كي أملأ حياته. فعلت كل شيء... كل شيء، ومع الأيام رزقنا الله بطفلنا الثاني، لكنه ظل يفاجئني دائمًا بعلاقاته النسائية على مواقع التواصل الاجتماعي وفي العمل، أرى كلماته فيقتلني ما أرى. شعرت بأن ثقتي في نفسي تنهار يومًا بعد يوم ونوبات البكاء تداهمني بين حين وآخر.


اقرأ أيضًا: "هذه المرأة قوية"... لمن تقولين هذه العبارة؟


إلا أنه حدث شيء جعل كل هذه الأمور تتقازم أمام عيني... بعد بلوغ ابني الأول حوالي أربعة عشر عامًا، مرض بمرض خطير، سافرت به إلى الخارج كي يتلقى العلاج هناك، كانت فترة عصيبة، تفاصيلها مؤلمة، قد لا يدرك البعض ماذا يعني أن يطلب من أم التماسك أمام صغيرها لتمنحه القوة وهي منهكة ومقتولة من الداخل. لا أريد أن أطيل عليك، فقد تسبب هذا المرض اللعين بوفاة حبيبي وقرة عيني. كان أمرًا عاصفًا في حياتنا أفقدنا التوازن؛ أنا، زوجي، ابني الآخر. كان أشبه بالزلزال المدمر، لا أزال أتذكر حين كنا نردد سويًا (رب إني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين) ... يوم وفاته كنت أحتضنه ومن حولي الأطباء والممرضات، ثم مات بهدوء.

لا أخفيكم سرًا أن دموعي غلبتني، وأن دموعها أيضًا غلبتها وكأن الأمر لم تمر عليه السنين. توقفت لحظة ثم قالت رضيت بقضاء الله، إلا أنني كنت أنتظر منه الدعم مرة أخرى، لكن ذلك لم يحدث أيضًا..شعرت بالخذلان الشديد، لكنني كنت دائمًا في صراع مع نفسي، بل وأسألها ماذا لو انفصلنا؟ أين سأذهب؟ كيف سأنفق؟ كيف سأعيش أنا وابني؟

هل الصواب هو الانفصال؟ أم أنها أزمة نفسية أمر بها نتيجة للخذلان، وسيفيق حتمًا بعد هذا الزلزال، وماذا عن ابني الثاني؟ ماذا سيكون مصيره؟ كيف ستكون مشاعره؟ أتذكر أنه في ذلك الوقت كان قد مر على زواجي سبعة عشرة عامًا، هأنا ذا أمام علاقة جديدة لزوجي، والمضحك في الأمر أنه هو من طلب مني الانفصال بدون طلاق، يعيش كل منا في بيت وحده إلى أن تستقر الأمور. هنا كان التحول، كيف؟ في البداية، كنت أسعى لتشتيت نفسي طوال الوقت، أذهب للتسوق، أسعى لتكوين صداقات، أخرج مع أصدقائي، ...إلخ.

اللجوء للمختصين

جرح3.jpg
بعد المرور بتجربة قاسية عليك الرضا أولًا ثم تستكشفي نقاط قوتك الكامنة

 بدأت أقرأ في علم النفس، بل وذهبت إلى معالج نفسي بالفعل، وكأن شيئًا ما أنار عقلي من جديد، فهمت أنني كنت أشعر بعدم الاستحقاق نتيجة لعوامل كثيرة مرتبطة بتربيتي في الصغر، مما جعلني دائمًا أبحث له عن مبررات لأنني (في نظر نفسي) لست كافية، بل وأنني يجب أن أحمد الله على رضاه بوجودي في حياته، نعم تعرفت على نفسي من جديد.

بدأت أرى الأمور بشكل مختلف تمامًا، وكان لأصدقائي دور كبير في الدعم، خاصة بعد تعاطفهم الشديد مع وفاة ابني ...فجأة تحول زوجي من كل شيء إلى شيء من ضمن الأشياء، وهنا كانت المفاجأة عندما طلب مني العودة من جديد. وماذا كان موقفك؟ كان الغضب داخلي أكبر من أي شيء، لكن ابني بدأ يطالبني أن نجتمع معًا في بيت واحد من جديد.

صراع آخر نشب داخلي من جديد، فأنا أريد الانتقام تارة، وتارة أريد أن أنتصر لنفسي ولو مرة في هذه الحدوتة، لكنني أشفقت على ابني ورقّ قلبي له، خاصة مع علمي بعظم ما مر به مقارنة بسنّه، وهنا وافقت على العودة بشروط ووضعت حدودًا.  لم أعد هذه الزوجة المنكسرة الضعيفة، بل أصبحت أطالب بحقوقي وأرفض تحميلي أخطاء لم أقم بها.

كنت أشعر بكم الضغط عليه والحزن داخله لفقد أخيه وصديقه، وأنه يحاول العودة لحياته الأولى بأقل الخسائر. صراع آخر نشب داخلي من جديد، فأنا أريد الانتقام تارة، وتارة أريد أن أنتصر لنفسي ولو مرة في هذه الحدوتة، لكنني أشفقت على ابني ورقّ قلبي له، خاصة مع علمي بعظم ما مر به مقارنة بسنّه، وهنا وافقت على العودة بشروط ووضعت حدودًا، لم أعد هذه الزوجة المنكسرة الضعيفة، بل أصبحت أطالب بحقوقي وأرفض تحميلي أخطاء لم أقم بها. اخترت أن أنجح لنفسي ولذاتي، فكتبت كتابي الأول وشاركت به في معرض الكتاب، التحقت بالدراسات العليا في إحدى الجامعات.


اقرأ أيضًافن المواساة.. أي نوع من المواسيات أنت؟


عدت للمذاكرة وحمل القلم والأوراق، الآن أصبح لي متنفس من وقت لآخر مع أصدقائي، نخرج ونلهوا سويًا من جديد، الآن أصبح لي حياتي. اليوم أنا عدت لزوجي منذ ثلاث سنوات، والغريب في الأمر أن زوجي أصبح مستقيمًا طوال هذه المدة...يسعي لمصالحتي إن غضبت، يطبطب على كتفي إذا بكيت، يدعمني في دراستي، وسبحان مغير الأحوال.

لا تنهاري

 

ما الحكمة التي خرجتي بها بعد هذه التجربة الحافلة بالأحداث؟ كنت أقول لنفسي دائمًا (عافري عافري)، بمعني لا تنهاري وكوني مقاتلة مواجهة الحياة بروح المقاتل شيء آخر وكل على قدر طاقته. أحيانًا أشعر أني منهكة فأعلم أنني بحاجة إلى شيء من الراحة، فأستريح ثم أعود من جديد. وجود أحد في حياتك كمعالج، مهم جدًا للتعافي وزيادة الوعي بالذات.

 

نعم كُسر شيء ما داخلي، ورغم أنني لازلت أشعر بشيء من الخوف، إلا أنني سعيدة باختياري، سعيدة بكوني قوية، سعيدة بحفاظي على بيت أكثر استقرارًا لابني بعد ما مر به. سعيدة أن ما مررت به كان دافعًا لنجاحات وإنجازات لم أعهدها، وكأن الثورة حقًا تولد من رحم الأحزان.

ونعم، كان الطلاق يراودني في كثير من الأحيان، بل ولا أرى أي عيب في امرأة مرت بنفس ظروفي أو بظروف مشابهة واختارت الطلاق، لكنني بعد تفكير طويل اخترت ما يناسبني ويناسب ابني، فأنا في النهاية أم، فليختر كل منا ما يناسبه وما يطيقه على أن يكون حقًا ما يناسبه وما يطيقة دون تشويش.


اقرأ أيضًا: كيف يمكننا المساعدة النفسية وقت الأزمات؟


ما الحكمة التي خرجتي بها بعد هذه التجربة الحافلة بالأحداث؟ كنت أقول لنفسي دائمًا (عافري عافري)، بمعني لا تنهاري وكوني مقاتلة مواجهة الحياة بروح المقاتل شيء آخر وكل على قدر طاقته. أحيانًا أشعر أني منهكة فأعلم أنني بحاجة إلى شيء من الراحة، فأستريح ثم أعود من جديد. وجود أحد في حياتك كمعالج، مهم جدًا للتعافي وزيادة الوعي بالذات.

من أنت الآن؟ أنا الآن امرأة أكثر قوة، أكثر صلابة، أكثر وعيًا بذاتي، أنا الآن مستريحة الضمير، سعيدة باختياراتي، وسعيدة بأن الأيام إن أوجعتني إلا أنها لم تهزمني، وأنتظر عوضًا من الله طلبته منه في أحلك ظروفي.