بنفسج

"نبض الحياة": لأن لأطفال السرطان حياة أخرى

الإثنين 08 يونيو

                                                                           "خدي دمي وأعطيه لابني بس خليه يطيب".

"خدي دمي وأعطيه لإبني بس خليه يطيب"... بهذه الكلمات صرخت نورا أبو خضير نجيب (33عامًا)؛ بعد أن أخبرتها الأخصائية النفسية بنبأ إصابة ابنها البكر آدم بمرض سرطان الدم"اللوكيميا". استحضرت حينها ابن شقيقتها الذي أنهى السرطان حياته من قبل، لكنها حين تذكر تلك اللحظة اليوم تستمر بالترديد: "لم يبتلينا الله إلا لأنه يحبنا".

كان ذلك عام 2015، حين غزا المرض دم ابنها ذي الخمس سنوات، لكنها لم تعلم أن الابتلاء الذي أصابهما سيفتح صفحة جديدة في حياتهما، وحياة مرضى السرطان وأمهاتهم في فلسطين، وتحديدًا في القدس المحتلة
. فبعد تلقي خبر الإصابة الصادم، بدأت نورا وزوجها بعلاج ابنهما الذي استمر عامين؛ تساقط فيهما شعر آدم الحريري، وغابت نورا كثيرا عن طفلها الأصغر أنس الذي لم يكمل عامه الأول حينها، وبقي في رعاية عائلة والده حتى تتفرغ الأم لآدم.

وعدا عن تألم الأم لألم طفلها الجسدي، كانت نورا مثقلة بضغوطات نفسية خففها الأهل والأقارب، لكنها كانت دوما بحاجة إلى وقت خاص لنفسها وطفلها الذي قلّت مناعته بعد المرض، ما حتّم عليه أن لا يختلط بالناس كثيرًا. لكل من عرفها، كانت نورا مثالًا للطاقة والهمّة. ولم تنكر أثناء حديثها لـ "بنفسج" ضعفها في البداية، وتذمرها، وقلة حيلتها التي لملمها زوجها المتماسك، لكنها سرعان ما وقفت على قدميها، وقررت تجديد الدم في جسد طفلها، والأطفال المرضى أمثاله.

  | شعلة البداية

j34.png
صور من فعاليات مبادرة نبض الحياة لأطفال مرض السرطان 

تروي موقفا أثر فيها وزادها عزمًا أن تبادر سريعا، فتقول: "كنّا في مشفى هداسا عين كارم بالقدس المحتلة، وجاورنا أطفال من الضفة الغربية وقطاع غزة، وأطفال إسرائيليون أيضا. آنذاك، جاءت مجموعة إسرائيلية لتوزيع الهدايا على الأطفال. تحمّس طفلي كثيرًا، لكنّ أحدهم أشاح بوجهه عنه، وتجاوزه حين جاء دوره لاستلام الهدية، والسبب كان أنّ أمه محجبة"!

إثر ذلك، ونظراً لقلة المبادرات العربية في ذاك المشفى بالتحديد قررت نورا أن تبدأ، فكانت البداية في شهر رمضان المبارك، حيث اقتنت أزياء لشخصيات كارتونية محببة، وجمعت الهدايا من تبرع أهل الخير، وتجمّع حولها طلبة جامعيون متطوعون ومسحراتي من البلدة القديمة، ونفذوا مبادرتهم الأولى. "سحور وإفطار للأطفال المرضى في المشفى"، وفعاليات رمضانية، وهدايا لم تفرق بين أي طفل وآخر، بغض النظر عن أصله.

 
| فعاليات دورية مجانية

أثناء حديثنا مع نورا كان صوت ابنها -الأصغر  والثالث- سراج طاغيا، يتململ طالبا من أمه مساجا لينام، سألناها عن قدرتها على التنسيق بين أطفالها ومبادراتها، فقالت إنها أنجبت طفلها في خضم تلك الضجة المحببة، ولم يعقها قدومه أبدا؛ حيث كانت تقفز وتغني للأطفال متنكرة بزي شخصية كارتونية وهي حامل به، وكانت الفرحة على وجوههم تنسيها كل التعب وتدفعها لتقديم المزيد.

بدأ الغيث بعد قطرة الندى تلك، فتوالت الفعاليات والنشاطات من نورا والمتطوعين حولها، بأموال أهل الخير الذين لم يبخلوا أبدا. شملت الفعاليات الأطفال من مرضى السرطان داخل المشفى، وداخل مستشفيات فلسطينية عديدة في القدس المحتلة والضفة الغربية، بالإضافة إلى النشاطات المجانية التي استهدفت الأطفال الأيتام. مخيم شتوي، واحتفال بالعيد، وإفطارات رمضانية للعائلات المحتاجة، كل ذلك نظمته نورا أثناء فترة علاج طفلها.
مع حلول عام 2018 أنهى آدم فترة العلاج وبدأ يتماثل للشفاء، وعاد شعره الجميل يكسو  رأسه، كان شفاء جسديًا ونفسيًا، تعافت معه  نورا الأم؛ التي أصرت على أن يرافقها طفلها في نشاطاتها، وأن يوزّع الهدايا على الأطفال من أقرانه، وما زال يفعل ذلك حتى اليوم.


 |  نبض الحياة

j35.png
نورا بصحبة طفليها وعددا من فعاليات نبض الحياة

نورا بعد شفاء طفلها، أسست جمعية "نبض الحياة لمرضى السرطان والأيتام". هذه الجمعية التي تعد الأولى من نوعها في القدس؛ من حيث توفير بيئة مناسبة لأطفال مرضى السرطان وأمهاتهم. وهي جمعية خيرية غير ربحية؛ توفر خدمات ونشاطات للطفل وأمه، في جو ملائم معقم ونظيف.

لم تخبُ شعلة نورا الحماسية بعد شفاء طفلها، بل ازدادت توقدا، فاستأجرت مقرا في بلدة شعفاط بالقدس، وأسست جمعية "نبض الحياة لمرضى السرطان والأيتام". هذه الجمعية التي تعد الأولى من نوعها في القدس؛ من حيث توفير بيئة مناسبة لأطفال مرضى السرطان وأمهاتهم. وتعرّفها نورا بأنها جمعية خيرية غير ربحية؛ توفر خدمات ونشاطات للطفل وأمه، في جو ملائم معقم ونظيف.

تقول نورا: "شعرت بحاجة أم مريض السرطان إلى الفسحة والراحة، وأن يكون بالها مطمئنا فيما يخص طفلها، فخصصت غرفة في الجمعية للأم تتلقى فيها خدمات: كالمساج، وعلاج البشرة، والحجامة. وفي الغرفة المجاورة، يتواجد طفلها بأمان يلعب مع أقرانه دون أن تخاف على مناعته حيث نهتم بتعقيم الألعاب والجو، كما نعقد ورشات توعوية أحادية ومشتركة حول مرض السرطان، وترفيهية وثقافية أيضا".

أثناء حديثنا مع نورا كان صوت ابنها -الأصغر  والثالث- سراج طاغيا، يتململ طالبا من أمه مساجا لينام، سألناها عن قدرتها على التنسيق بين أطفالها ومبادراتها، فقالت إنها أنجبت طفلها في خضم تلك الضجة المحببة، ولم يعقها قدومه أبدا؛ حيث كانت تقفز وتغني للأطفال متنكرة بزي شخصية كارتونية وهي حامل به، وكانت الفرحة على وجوههم تنسيها كل التعب وتدفعها لتقديم المزيد.

تختم الشابة السمراء تجربتها الملهمة فتقول إن الصحة النفسية لأم مريض السرطان هي الأهم؛ فهي التي تمد طفلها بالقوة ليحارب المرض. وختاماً تؤكد: "أطمح أن تصل جمعية نبض الحياة لأكبر عدد من مرضى السرطان الأطفال وأمهاتهم،  وأن أستطيع توفير رحلات سفر مجانية لهم".