بنفسج

تنوين.. مكتبة وشغف بحلم لا يهدأ

الأربعاء 17 يونيو

بمجرد ولوجك للباب الزجاجي، تقف لوهلة متأملًا الديكور الخلاب، تدور بعينيك بهدوء تغذيهما بالجمال البصري أمامك! يا لها من مكتبة؛ يتألق محمود درويش على رفوفها وبجانبه غسان كنفاني، يطغى في كل ركن فيها لون أزهى من رفيقه، فهذا اللون التركوازي يتراقص على الجدران فيمنحك شعورًا بالصفاء الذهني، وهذه الكتب المنمقة بطريقة مبهرة تدفعك للتيه في زوايا المكتبة وأنت مبتهج، وتشرع بالتجول بين ثنايا الرفوف، ثم وبدون سابق إنذار ينتابك إحساسُ بالدوار سرعان ما تكتشف أنه ما كان إلا إحساسًا مؤقتًا جراء رؤيتك للرفوف المائلة والكتب تسندها.

 | حلم حياتي

 
"لم تكن فكرة إنشاء مكتبة خاصة ببيع الكتب وليدة لحظة، بل كانت حلم طفولة حيث حرمت في طفولتي من شراء الكتب بسبب عدم وجود مكتبات، إذ لم يكن من السهل بالنسبة لي الحصول على كتاب إلا من مكتبة المدرسة".
 
زوجي وصديقتي شجعاني كثيرًا لتنفيذ مشروعي، لم أتلق أي إحباط على العكس تمامًا حظيت بالدعم الكامل، خصوصًا مع عدم وجود مكتبة خاصة لبيع الكتب في بيت لحم".
 

تمارا الصوص الحاصلة على درجة الماجستير في الصحافة والإعلام تخبرنا في هذه المقابلة عن حلم حياتها "تنوين" الذي عاش معها وكبر في قلبها حتى غدا حقيقة تُرى مع كل إشراقة أمل. مكتبة "تنوين" المكتبة الأولى في بيت لحم لبيع الكتب، والتي توفر سلسلة كتب متنوعة في كافة المجالات سواء في الأدب والفلسفة والسياسة والثقافة باللغتين العربية والإنجليزية، إضافة لقسم خاص بالأطفال واليافعين، تقام فيه ورشات فنية تطلق العنان لإبداعاتهم.

تقول صاحبة تنوين: "لم تكن فكرة إنشاء مكتبة خاصة ببيع الكتب وليدة لحظة، بل كانت حلم طفولة حيث حرمت في طفولتي من شراء الكتب بسبب عدم وجود مكتبات، إذ لم يكن من السهل بالنسبة لي الحصول على كتاب إلا من مكتبة المدرسة". أرادت أن تكون "تنوين" مكتبة تقدم الخدمة للقراء، وتحترم عقولهم، وتأتي لهم بالنسخ الأصلية من الكتب، بعيدًا عن ما تفعله بعض المكتبات من انتهاك لحقوق الكاتب ودور النشر من خلال النسخ المطبوعة والمزورة.

أحلامنا تنام معنا أحيانًا ولكنها لا تستيقظ، وما نلبث إلا ونَعِد أنفسنا بالشروع فورًا في تنفيذها، إلا أننا ندور في فلك الحياة، تضيف ضيفة بنفسج: "كنت أتحمس في أوقات، ثم تخطفني الدنيا وانشغالاتها وأطفالي فأتراجع، حتى نفذت وعدي لنفسي في نهاية عام 2017 وشرعت في التخطيط الفعلي المتكامل للمكان من الاسم والمكان، ومراسلة دور النشر، والاتفاق مع مكتب هندسي للتصميم حتى خرجت تنوين للنور في أيلول 2018".

شاهدت تمارا حلمها وهو عبارة عن مخططات على ورق سعدت به وسعد بها، لم تخذله وصمدت حتى النهاية، أعطته الحب فغمرها بالسعادة، تخبرنا أن اسم "تنوين" خرج من بين عدة اقتراحات لأسماء مختلفة كان هو أسهلها. النظرة الأولى لحلمك بعدما أصبح حقيقة لا تضاهي أي نظرة بالعالم وكأنك تقول لنفسك، ها أنا انتصرت على نفسي وعلى الحياة، تمارا تحاول دومًا أن تكون عند حسن ظنها بنفسها فتتواصل مع دور النشر الدولية وتزور المعارض لتأتي لـ"تنوين" بكل الكتب التي يرغبها القارئ.

تؤكد لـ " بنفسج" أنها لا تجلب أي كتاب مطبوع للمكتبة وإن لم تستطع الذهاب لكل معارض الكتب العالمية تتواصل مع وكلاء دور النشر لتأتي بالنسخ الأصلية فقط. وعند سؤالها عن الداعم الأول لمشروعها، تجيب " زوجي وصديقتي شجعاني كثيرًا لتنفيذ مشروعي، لم أتلق أي إحباط على العكس تمامًا حظيت بالدعم الكامل، خصوصًا مع عدم وجود مكتبة خاصة لبيع الكتب في بيت لحم".

 | ذوقها الخاص

غ39.png
صور من مكتبة تنوين لصاحبتها تمارا الصوص- بيت لحم، فلسطين

ضيفة بنفسج مرتبطة بالتواريخ لا تنسى التفاصيل الجميلة، تعود بذاكرتها لعام 1998 حين اقتنت كتابها الأول من معرض الكتاب في بيت لحم، وكان مجموعة الأعمال الكاملة للشاعر محمود درويش، فور حصولها على نسختها دونت التاريخ والمكان وظل عالقًا بين ثنايا الذاكرة، ومن بعده بدأ الشغف يزداد رويدًا رويدًا.

وعن الصعوبات التي اعترضت طريقها تقول: "خلال عملية جلب الكتب واجهت إشكالية الكتب الممنوعة من الدخول كاللبنانية مثلًا، إضافة للكتب المطبوعة التي تغزو الأسواق مما يأخذ مني وقتًا وجهدًا لشرح الفرق بين النسخ الأصلية والمطبوعة للقارئ". إن جل اهتمام تمارا ينصب على أن يكون القارئ مطمئنًا، ليتسلل له شعور الدفء والراحة بالمكان، وفيما يتعلق بالرفوف المائلة التي تثير تساؤلات الزوار تقول تمارا: "كانت فكرة المكتب الهندسي أن تكون متوازية مع سقف البناء المائل".

ضيفة بنفسج قارئة نهمة محبة لكتب التاريخ الاجتماعي والفلسفة والأدب، تستمتع برائحة الكتب الورقية كاستمتاعها تمامًا برائحة الياسمين، تحب أن تقتني نسختها الخاصة من كتبها المفضلة لتذوب بين الورق براحة، تبغض القراءة الإلكترونية ولا تشجعها.

 | أمل بالجيل الجديد

غ38.png
اهتمام خاص بالأطفال في مكتبة تنوين- إذ توفر العديد من النشاطات التثقيفية والترفيهية للأطفال

تُولي صاحبة "تنوين" قسم الاطفال أهمية خاصة حيث تتأنى في انتقاء الكتب والقصص لهم، وتقدم المشورة لعائلاتهم عند الاختيار وذلك حسب عمر الطفل. تضيف آملةً بالجيل الجديد: "أرى وعيًا واهتمامًا بأهمية القراءة عند الأهالي لأطفالهم حيث يسعون لتكوين علاقة جيدة لطفلهم مع الكتب، ويسعدني جدًا أن أرى طفل يختار كتابه بنفسه بالتشاور مع والدته".

لا تقتصر تمارا على بيع كتب الاطفال والألعاب التعليمية في "تنوين" بل تقيم ورشات فنية تحفزهم على الإبداع، وفعاليات لقراءة القصص والحكايات. تروج ضيفة بنفسج لمكتبتها عبر صفحة خاصة بها عبر موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك"، حيث تعرض نبذة مختصرة عن الكتاب إضافة لصورته مما يسهل على القارئ معرفة الكتب الموجودة قبل الذهاب للزيارة. "كل منا لديه حلم يركض خلفه، يكفي أن يؤمن فقط به ليراه حقيقة..  فآمنوا فقط"، تقول تمارا.