بنفسج

" كل شيء عن بُعد إلا التربية"... دفء التربية عن قُرب

الأحد 30 اغسطس

مع الظرف الذي يعيشه العالم منذ مطلع العام تحت وطأة جائحة كورونا، والتي فرضت على البشر تحدياتٍ وتغيّراتٍ في أنماط العيش، وسلوكيات مختلف جوانب حياتهم، وكون الحياة الدراسية كانت من أوائل الجوانب التي تعطلت، وجيء بالتعليم "عن بعد" بدلًا من التعليم الوجاهي، يأتي سؤالٌ مركزي: أين وكيف تكون التربية؟

دافع هذا السؤال، بلا شك، هو البحث عن منهجيةٍ منظمةٍ في ظل الإرباك التي يعيشها واقعنا من ناحية التعليم، خاصة، ونحن على أعتاب فصلٍ دراسيٍ جديد، تحاول فيه الجهات الرسمية العودة للتعليم الوجاهي دون أن تُلغى وسائل التعليم عن بعد، لبعض الصفوف المدرسية، أو في المناطق المعرضة لحالات الإصابة. كمعلمة وأم في آن واحد، في سابق الأمر، كنت أمَّ كل طالبٍ ينتمي لصفي، تربية، ما استطعت إلى ذلك سبيلًا، وتعليمًا كما يمليه عليّ ضميري ورسالتي وعملي.

أما الآن، في ظل هذه الجائحة التي أكاد أَجزم أنها محنةٌ ومنحةٌ في آنٍ واحد، علينا كأمهات - وإن كان التعليمُ عن بعد- أن نعتبرها فرصةً لنقترب أكثر من أبنائنا. أختي الأم، زميلتي المعلمة، بكل تأكيد، هذا المقال لا يطرح الحل السحري، أو الحالة المثالية، بقدر ما هي نقاط وإضاءات وتذكير متبادل. ثلاثة أبعاد يمكن أن أُلخص بها أسس اقترابنا من أطفالنا الكبار والصغار، لننجز دورنا التربوي في تنشئتهم: قربٌ منطقي، وقربٌ عاطفي، يزنهما القرب العقلاني.

عندما نتحدث عن القرب المنطقي، فإننا نعني، القرب الواعي الذي يُعنى بكل مرحلةٍ من مراحل ابني العمرية، وذلك يلزمه إعداد ومعرفة مسبقة من خلال المصادر الموثوقة، علميًا وتربويًا، فأقرأ وأستمع وأتعلم كل ما يخص هذه المرحلة.

القرب المنطقي، هو قرب اهتمامات ومعرفة حاجات، قرب يلاحظُ ويستجيب قبل أن يحاول أن يوجه ويؤثر، نحن نتعامل في عصر التكنولوجيا مع أذهان سريعة التطور، ونفسيات أعقد في تركيبها عمّا كنا عليه، فما بالنا والحال ضاغطة في هذا الظرف القاهر من مختلف الجوانب علينا كناضجين؟ لذلك، عندما نتحدث عن القرب المنطقي، فإننا نعني، القرب الواعي الذي يُعنى بكل مرحلةٍ من مراحل ابني العمرية، وذلك يلزمه إعداد ومعرفة مسبقة من خلال المصادر الموثوقة، علميًا وتربويًا، فأقرأ وأستمع وأتعلم كل ما يخص هذه المرحلة.

القرب العاطفي -وهنا يحتاج منا للتركيز قليلًا- فكلما زاد عمر ابني كلما زادت حاجته العاطفية، الحضن والقبلة والحنان، والإصغاء له والثناء عليه. ربما نحن في مجتمعنا نفهم عكس ذلك، وهو أن الطفل الصغير يحتاج للعطف والحنان أكثر مما لو كبر، ولكنني أرى أن العطف على الصغير تحصيلَ حاصل، أما الكبير فهو من يحتاج للإشباع العاطفي حتى ينشأ رزينًا ممتلئًا.
أما القرب العقلاني، فهو ما يزرع ويسقي وينمّي في ذهن ابني المعتقدات الدينية، وحتى مسائل الرياضيات والمفاهيم الإنجليزية، فيكون مُهيِئًا للتعليم عن بعد، أو مكملًا ومتممًا له. ولا شك أن مهمة التربية عن قرب أصبحت نسبتها الأكبر على عاتق الأبوين بشراكة واعية في الترغيب والثواب والعقاب، كون الطفل ابتعد عن بيئة المدرسة وتأثير المعلم والأقران.

وإن كان مطلوبٌ منا التباعد الاجتماعي؛ أصبح التقربُ من أبنائنا وتقوية علاقتهم الاجتماعية بأطراف العائلة أمرًا ضروريًا في المقابل! للأسف، قد تلجأ بعض الأمهات للتخلص من فوضى المكان، أو الهروب من إزعاج أبنائهن بوضعهم في صندوق الأجهزة الالكترونية! وهنا يصبح الطفل حبيسًا لتربيةٍ تلقينية، وموضوعًا أمام مرايا افتراضية يحاول تصدير نفسيته خارجها، فتظهر على شكل تشتت وشعور بالنقص وعدائية في غالب الأحيان، هذا لو افترضنا أن اليوتيوب الفارغ لا يقود إلى يوتيوب أسوأ، وغالبًا ما تكون مغايرةً لمنهجنا الإسلامي.

لذلك، اجعلي لك تذكيرًا داخليًا في وعيك ولا وعيك ينبه أن، ترتيب البيت، وإعداد أفخم أطباق الطعام، وغيرها من أمور لن نُسأل عنها بالقدر الذي سنُسأل به عن وقتنا لفلذات أكبادنا؛ تربيةً وتعليمًا ولعبًا ونُضجًا. وتطوير كل ذلك، البذور التي تغرسينها لتجني أفرادًا صالحين مصلحين، يكونون حقًا ممن يتباهى بهم رسول الله محمدٌ -صلى الله عليه وسم-.

 التربية في كل الأحوال لا تُؤتي أُكلها إلا عن قرب، ونحن بهذه الأبجديات نربي في أنفسنا أهمية الأسرة، وأثر علاقات الأبوين المتزنة والمفعمة بالمحبة على أبنائهم وبناتهم في الظروف القاهرة قبل الظروف الهانئة. ختامًا، سواء كان التعليم وجاهيًا أو عن بعد، لنحرص على أن تكون التربية عن قرب.