بنفسج

فايروس كورونا: كيف نحمي صحّتنا النفسيّة؟

الأربعاء 10 يونيو

فايروس كورونا جاءنا بالخوف والقلق؛ بالتذبذب العظيم في المعلومات التي تصلنا، وبالغموض الذي يلفّ المستقبل القريب والبعيد. وفوق كلّ هذا أدّى إلى هبوطٍ اقتصاديّ حادّ ليس فقط على مستوى الدول؛ بل على مستوى الأسر الكثيرة التي تعيش -منذ شهرين تقريبًا- دون أيّ دخل ماديّ يُذكر، وما زالت تنتظر المجهول.

ونحن إذ نتحدث عن فايروس كورونا لا نتحدث عن "مرض معدٍ" وحسب؛ بل عن جائحةٍ عالمية قد تغيّر شكل الحياة التي نعيشها لسنواتٍ وربما لعقود قادمة. وكما نرى جميعًا، تتركز معظم الجهود على تغطية وسائل الوقاية من المرض، وأرقام المصابين والأرواح التي حصدها؛ بينما تتحدث مصادر قليلة جدًا عن كيفية المحافظة على صحتنا النفسية، واتزاننا الشعوريّ أمام ما نسمع ونشاهد كل يوم.

| كيف سيؤثر فايروس كورونا على صحتنا النفسية؟

في الحقيقة، تتوقع كثير من الإحصائيات أن العجز الطبيّ الذي نشهده الآن، سيرافقه قريبًا عجزٌ مشابه في الخدمات الصحية النفسية- إذ إنّ العالم أجمع ليس مهيّئًا لاستقبال العدد الهائل من حالات المرض النفسيّ التي ستنتج عن هذا الوباء. ولأنّ الوقاية دائمًا خير، علينا أن نفكر ببعض الممارسات البسيطة التي قد تساعدنا جميعًا على التعافي. وهنا بعض الاقتراحات:

 
| اخلقوا روتينًا جديدًا صحيًّا ومتّزنًا: الروتين من أهم الأمور التي تساعد في اتزان الصحة النفسيّة للكبار والصغار، ولقد انكسر الروتين قسرًا في حياتنا جميعًا مع هذا الوباء. نحن لا نحبّ التغيير كثيرًا، بل إنه إن طال قد يودي بنا إلى هاوية القلق والاكتئاب. اخلقوا روتينًا جديدًا يتناسب مع حقيقة حياتنا الجديدة؛ استيقظوا باكرًا، تناولوا وجبات صحية، اشربوا الكثير من الماء، حدّدوا وقتًا الدراسة أو العمل، والتزموا.

| اغفروا لأنفسكم الزلل: في خضمّ هذه الجائحة زادت الدعوات إلى الإنجاز واستغلال الوقت، وأظن كثيرًا منا وقع تحت ضغط نفسيّ عظيم لعدم قدرته على الالتزام أو الإنجاز الدائم. لا تُغرقوا في كتابة قائمة المهام، ولا تطلبوا من أنفسكم الكمال، بل اخلقوا مساحة للخطأ، وسامحوا أنفسكم على تقصيرها. لا بأس إن لم تكملوا مهام اليوم تمامًا، هناك دومًا يومٌ آخر.

| اجعلوا لأدمغتكم زادًا: الدماغ له أسرار عظيمة قد لا ندرك بعضها، لكن مما ندركه أنه قادرٌ على التكيّف بشكل مدهش، وأنّ فيه مرونة مذهلة لتعلّم الجديد. القدرات الدماغية كذلك تضمر مع الوقت، والبقاء في بيئة خاملة غير محفزّة تجعل الدماغ -كذلك- خاملًا. لذلك؛ استفزّوا أدمغتكم، وطوّروا من قدراتكم العقلية دومًا، تحدّوا ذاكرتكم بالحفظ، تعّلموا شيئًا جديدًا، العبوا، اقرأوا.

| اجعلوا لأجسادك زادًا: ممارسة الرياضة لا تساعد فقط في تخفيف الوزن أو بناء العضلات، بل تعدّل المزاج، وتُشعر بالسعادة، وتحسّن النوم، وتقي من أمراض القلب، بل توصف كعلاج مبدئي لكثيرٍ من الأمراض كمرض السكري، والضغط، والآلام المزمنة. اجعلوا الرياضة جزءًا من روتينكم، ولو لمدة عشر دقائق يوميًا.

| اجعلوا لروحكم زادًا: الروح تتعب، وقد ينعكس تعبها على الجسد فيودي بصحّته. مارسوا عادة تُشعركم بالاطمئنان، والتوكل، والرضا. لا تحديد هنا... قد يكون زاد روحك ركعتين في جوف الليل، وقد يكون دقائق تقضيها تتأمل الشارع من النافذة. اختر ما تحبّ ومارسه بشكل يوميّ؛ حاول أن تكون حاضرًا بذهنك، وتذكر كم من اللحظات الصعبة مرت عليك ثم اجتزتها برحمة الله.

| خططوا لأمور بسيطة والتزموا بها: من أكثر السلبيات التي جاء بها كورونا الحرمان من السيطرة؛ وشعورنا بعدم السيطرة على حياتنا نحن- شعورٌ صعبٌ جدًا، يشبه شعور التيه. الاحتفاءُ بإنجاز الخطط جميلٌ ويضفي نوعًا من الراحة، والشعورُ بالسيطرة على أمورٍ بسيطة- كأن تعرف أنّ طبق الحلوى سيكون جاهزًا خلال ساعة- شعورٌ سيوازن ضروب الغموض التي تلفّنا في هذه الأيام.

| تواصلوا مع الناس: الحجر المنزليّ حرمنا كثيرًا من لقاء من نحبّ ومن الاجتماع بهم. لكننا في زمانٍ يسمح لنا بالتواصل مهما باعدت بيننا المسافات؛ لا تخلق مساحة من الحزن و"الدراما"، بل ابتكروا طرقًا جديدة للحفاظ على علاقاتكم الاجتماعية. استخدموا المكالمات المرئية وليس فقط الصوتية أو الكتابية، العبوا مع أصدقائكم عبر الانترنت، ابدأوا نادي كتاب، تطوعوا لتعليم الناس في دائرتك مهارة معينة.

| لا تنسوا الناس من فضلكم: أقبل رمضان، وكثيرٌ من الناس تبسط يدها وقد أظلّنا شهر الجود والكرم... فابسطوا كذلك أرواحكم للناس؛ للفقير إلى الدعم المعنويّ، للمحتاج إلى قُوت الروح. ارفعوا سماعة الهاتف وتحدثوا إلى جارٍ وحيد، أو قريبٍ كبير في السن، أو صديقٍ يعاني من اضطراب نفسيّ أو معرّض له. نحن في أمسّ الحاجة لبعضنا البعض؛ للتلاحم فعلًا بأرواحنا ومشاعرنا.

| ضاعفوا التركيز على أطفالكم: اخلقوا لهم روتينًا يوميًا، وأشغلوهم بنشاطات منزليّة وألعاب جماعيّة. رمضان شهرُ العائلة، وهذه فرصة عظيمة لقضاء وقت نوعيّ مع عائلاتكم وأطفالكم، لكن لا تجعلوها مركزًا للضغط النفسي أو بؤرةً للشعور بالذنب. وازنوا -خاصة في هذه الفترة- بين قواعد التربية التي تتبعونها وبين راحتكم النفسية وما تطيقون. لن يتذكر الطفل ولن يتأثر تطوره إن تجاهلتم بعض القوانين، أو فقدتم السيطرة على مشاعركم من وقتٍ لآخر... لكنّ جرحه سيكون غائرًا إن كنتم أنتم غير سعداء؛ إن نشأ على يد أبٍ محبَطٍ أو أمّ مُغرقة في الحزن.

| أخيرا؛ تجنبوا الاستهلاك المجنون للأخبار ولمواقع التواصل الاجتماعي: قضاء ساعاتٍ طويلة أمام شاشات التلفاز أو شاشات الهاتف ستُهلك عقلك وشعورك. ستحفر عميقًا في شعور الفشل والإحباط، والندم بعد ذلك؛ وكأنك رميت بلحظات من العمر إلى الفراغ، إلى اللاشيء، إلى المحدودية.