بنفسج

كورونا والغيب والأسطورة: أريد أن أفكر أبعد من هذا

الجمعة 03 يوليو

أريد أن أفكر أبعد من هذا، وأعمق من ذاك، لأنني لا أعرف الحقائق، ولا يوجد أمامي دليل، فهل أقاتل اللامرئي بلا مرئي يقابله. خالي الوفاض يبحث عن أمل، يرسل الأغنيات من شرفة منزله، يبعث أمل بتكبيرات الجامع، صوت قرآن يتردد صداه هنا وهناك. وماذا نفعل؟ وي! كأننا نعيش في غمامة من الحلم! لست مع القول الذي يرى بأننا معشر العرب نخشى الكدح العقلي هاربين إلى الخرافة والأسطورة إلى غير المدرك، واللامحسوس، لأن الأساطير والخرافات؛ الآلهة والأبطال والجبابرة والأباطرة والمحكيات، كانت مصدر إلهام للشعراء والمسرحيين والأدباء والفلاسفة منذ القدم!

فهي ليست ذات مدلول سلبي ومرفوض في المجمل. ربما يكون الهروب إلى الماورائي، خشية وخوفًا وضعفًا، ربما يكون ارتكانًا وميلًا إلى القوى الخارقة، إلى الغيب الذي إليه المآل، ظنًا منا أن الركون إلى الغيبي فيه راحة وسكينة. ومن ثم يميل البعض إلى المقدس، منطقة الحرام التي لا تطؤها جائحة ولا وباء، فإذا سقطت لك شعرة وأنت تقرأ سورة البقرة وشربت ماءها، فلك مناعة من وباء كورونا كوفيد-19 إلى يوم الدين! ألم تقرأ تفسيرًا حديثا جدًا لسورة المدثر؟ إن فيها دليلا دامغًا يتحدث عن الوباء، مفسرًا له، ومعالجًا إياه داءً ودواء!

| في مزيج الإيمان والعقل والبلاء

اللجوء إلى الله لا يعني أن تؤول إلى الغيب، وتركن إلى قدرته فقط، دون أن تستثمر اللجوء إليه؛ يعني استثمار عطائه لحل المشكلات ومواجهتها.
 
عطاء عقلي يجعلك مدركًا لحجم الخطر الذي تتعرض له الإنسانية جمعاء، يجعلك تجدد أدوارك الاجتماعية المنوطة بك كفرد يعيش في هذا العالم! يجعلك تخرج من دائرة الخرافة التي تجعل منك ساذجًا، فلم يرسل الله كورونا للصين عقاب لهم لما فعلوه بالإيغور!

بل إن فيديوهات عديدة انتشرت كالنار في الهشيم عبر مواقع التواصل الاجتماعي، تناقلتها مجموعات واتساب وضجت بها فيديوهات اليوتيوب وشاركها الملايين على صفحات فيس بوك. إذ حقق فيديو بعنوان "فيروس الكورونا أخبرنا به الله تعالى.. وأخبرنا الرسول ﷺ عن سر علاجه"، قرابة 20 مليون مشاهدة على موقع يوتيوب.

ربما يعود السبب إلى الخوف، وحالة الذعر التي يعيشها الناس في ظل عجز منظمة الصحة العالمية، وأكثر الدول تطورًا عن إيجاد مصل يقاتل الفيروس، حتى بدأ الناس يقترحون العلاجات على طريقة الطب البديل كتناول الثوم والليمون وغيرها من المواد الطبيعية، وتناول الفسيخ كما فعل المصريون، أو كما قال أحدهم: "الوضوء بيقتل الفايروس"، أو ربما على طريقة الخرافات والأساطير كتناول بول البقرة المقدسة في الهند!

الأهم هو أن تعي دورك كفرد يعيش مع الجماعة وينتمي إليها في البعد الثقافي والاجتماعي والاقتصادي والصحي. إن هذه الحاجة لا تقيس إيمان العجائز فينا بقدر ما تقيس مكتسباتنا المعرفية حول ما يجري وما سيجري، ليمحص الله العقلاء منا!

ماذا تعني الحياة؟ وكيف يتحصل أحدنا على معناه؟ هل بكونه حرًا منفردًا أصيلًا، صادقًا جديرًا وشجاعًا، هل يخط هو سطور حياته كما لو كانت صفحة بيضاء، يواجه الكوارث والأوبئة بعقله بوعيه وشبكة علاقاته الاجتماعية، يحفظها وتحفظه؟ بمعنى مواجهة الصعاب، الكوارث، الأوبئة والجوائح بحرية، حرية مؤمنة عاقلة تعي إمكانيتها الوجودية. أو التفاعل معها بالهروب إلى ملجأ ميتافيزيقي، ولوج إلى عدمية ليس فيها شيء من الواقع، وربما ضرب من ضروب الكوميديا الساخرة!

اللجوء إلى الله لا يعني أن تؤول إلى الغيب، وتركن إلى قدرته فقط، دون أن تستثمر اللجوء إليه؛ يعني استثمار عطائه لحل المشكلات ومواجهتها. عطاء عقلي يجعلك مدركًا لحجم الخطر الذي تتعرض له الإنسانية جمعاء، يجعلك تجدد أدوارك الاجتماعية المنوطة بك كفرد يعيش في هذا العالم! يجعلك تخرج من دائرة الخرافة التي تجعل منك ساذجًا، فلم يرسل الله كورونا للصين عقاب لهم لما فعلوه بالإيغور!

وأظن أن الأهم هو أن تعي دورك كفرد يعيش مع الجماعة وينتمي إليها في البعد الثقافي والاجتماعي والاقتصادي والصحي. إن هذه الحاجة لا تقيس إيمان العجائز فينا بقدر ما تقيس مكتسباتنا المعرفية حول ما يجري وما سيجري، ليمحص الله العقلاء منا!