بنفسج

القصص المنسية: قصص تستحق أن تُروى

الإثنين 07 سبتمبر

تلك الوسيلة التربوية التي تجسد الأحداث بدقة، مليئة بالشخوص، فيها زمان ومكان وعقدة وحل، من خلالها يمكننا تمرير المفاهيم، وغرس القيم العقدية والتعليمية والفكرية والاجتماعية والترفيهية، هذا ليس رأييّ فحسب؛ بل اتفق الخبراء بأن القصص تعد من أهم الركائز التربوية التي يمكن أن نجسد من خلال أحداثها قيماً سامية، تصقل نفسية الطفل وتؤثر به تأثيراً كبيراً.

يؤكد محمد القاسمي في تمهيده لمقال القيم التربوية في قصص الأطفال على هذه الفكرة، فيقول:" تقوم القصص بإثراء خبرات الأطفال وتنمية مهاراتهم، ومنحهم الاتجاهات الإيجابية، وتعريفهم بميراث هائل للثروات الأدبية، وتوفير فرص الترفيه لهم، وإشباع ميولهم للعب والمرح، وهي تزوّدهم بالمعارف والمعلومات والحقائق عن الطبيعة والحياة، وتُطلعهم على البيئات الاجتماعية، كما أنها تُثري لغتهم وترتقي بأساليبها، وتنمّي قدراتهم التعبيرية عن الأفكار والمشاعر والاحتياجات".

| قصص الأطفال: قصص بنهايات وردية

قصص أطفال.jpg

بدأت ومنذ فترة بالإبحار بين أطنان الكتب المصورة، والكثير من الصور المبعثرة، باحثةً عن قصة جديدة لأرويها لأطفالي المتعطشين للمزيد، فكنتُ قد اعتدتُ أن أروي لهم قصصاً كثيرة ذات نهايات وردية تكسبهم معارف وخبرات وتعطيهم عبر وعظات، والكثير من المفردات والكلمات.

ولكني وبعد بحث طويل، اكتشفت أنّ القصص الطفولية ذات العظات والعبرات الوردية ليست قصصاً جديرةً لأن تروى، وليست قصصاً جديرةً لأن نستخلص منها كل العبر، وليست جديرة بأن تطبع بذاكرتنا علامات فارقة بأبطالها وشخصياتها.

فربما هنالك قصصاً تستحق أن نتوقف عندها رغم نهايتها المأساوية .ولا تجردنا عندما نتناساها إلا من إنسانيتنا وكينونتنا ليس إلا. فقررت أن أبدأ بتعريف أولادي على الجانب الآخر من هذا العالم الموحش، على الجانب المظلم من الواقع، الجانب الذي لا يسلط عليه الضوء إلا بشكل آني سريع، وسرعان ما يتناساه الناس ويعتليه الغبار ويمضي عليه الزمن!

| فارس عودة: "سبايدر مان" حقيقي

فارس عودة.jpg

قررت أن أعرض مجموعة قصص لأبطال حقيقيين، فبدأت بعرض صورة لطفل لم يتجاوز الرابعة عشرة، يقف بحجر أمام دبابة ويلقي به إلى أبعد مما يستطيع، وأعلى مما يمكنه، وهو مجرد من طفولته ومن ألعابه، يركض عند انتهاء مدرسته إلى تلك البقعة المنسية ليجابه بكل ما يملك ويقاتل بأقصى ما يستطيع.

إنه فارس عودة، اسمه محفور في ذاكرتي لا أنساه، فأنا كنت تقريباً في عمره، عندما ارتحل وحلق إلى العلياء.جعلتهم يتعرفون على قصته من خلال الصور ومن خلال مقابلة تلفزيونية مع أمه روت فيها عن إصراره وعزمه، وروت فيها جوانب من شخصيته وأفعاله وكيف قضى وارتقى. علمتُ أطفالي كيف كان هذا الاسم مرادفاً للشجاعة في مخيلتي، لدرجة أنني كنيتُ نفسي بأم فارس قبل زواجي بأعوام، واتفقت مع زوجي أن اسمي ابني الأول باسم فارس وهذا فعلاً ما حصل.

هناك أمثلة ونماذج كثيرة لقصص مشابهة لقصة فارس عودة، لأطفال وشبان حقيقيين وليسوا خياليين، أبطال عاشوا بيننا، وكان لهم رؤية مختلفة واتجاه مختلف، صاغوا خلاله المجد لهم ولمن حولهم.ورغم ذلك قصصهم اعتلاها النسيان، ومرت عليها الأزمان، وآن لنا اليوم أن ننقب باحثين عن هذه القصص، ومثيلاتها من القصص التي تنمي الجانب العقدي والمفاهيمي لدى الجيل الناشئ.هذه القصص التي تتجاوز الكتب المصورة ذات الألوان الوردية والنهايات السعيدة .

| القصص المنسية: قصص تستحق أن تروى

إن قمنا بالتنقيب وقمنا بتفعيل التكنولوجيا واليوتيوب سنجد قصصا عن النكبة والتهجير، قصصا واقعية عن أناس ما زالوا يحملون مفاتيح يعتريها الصدأ، ويطالبون بحق العودة. يمكننا أن نرى قصصا حقيقية برسوم كرتونية عن هذه البقعة المنسية (فلسطين)، عن عشاق عشقوها واختاروا طريقاً مخالفاً ليسيروا نحوها.

وعلى هذه القصص ألا تحصر في إطارنا الفلسطيني فقط، وأن لا تكون محصورة لأطفال فلسطين فقط، بل عليها أن تجوب العالم، وتطوف المعمورة من أقصاها إلى أقصاها، لتسطر ملامح البطولات الفلسطينية في مخيلات كل أطفال العالم. ليعلم الجميع أن قضيتنا عادلة، وأن عودة اللاجئين حق لا يسقط بالتقادم.

علينا أن لا ننسى القول الشهير لتلك العجوز الأوكرانية "غولدا مائيير" عندما قالت: "أن الكبار سيموتون والصغار سينسون" . هذا الهرم عليه أن يسقط وهذه الفلسفة يجب ألا تتحقق. في هذه الحياة قصص واقعية وحقيقية لأبطال خارقين ليسوا سوبرمان ولا سبايدرمان، إنهم أبطال من طلاب العلا، أصحاب الكرامة، صنعوا لأنفسهم ولمن خلفهم أمجاداً خالدة.

هذه القصص يجب ألا تغيّب عن أطفالنا ولا عن أطفال العالم؛ لأن القضايا العادلة تحتاج إلى أجيال واعية تحملها كفكرة، وتسير على سسها وعبرها ونهجها كمبادئ. وعلى الأطفال أن يميزوا تماماً الجلاد من الضحية. ليكبروا بفكرٍ وطنيٍ واعٍ يميز الحق وأهله ويمجد الأبطال وذويهم، ومن احتضنهم وسار على نهجهم، ويحيد عن الباطل ولا ينتصر له، ولا ينتصر لمن يطبل ويهلل ويعزف على سيمفونيته.

هذه القصص الوحيدة التي تستحق أن تنشر وأن تقص وتروى، قصوا على أطفالكم قصصًا واقعية تصقل شخصياتهم، وترسم لهم ملامح التاريخ بدقة، وتعلمهم أن للشجاعة مرادفات عديدة، وأهم المرادفات اسم يتلألأ في كل الأرجاء، هو" أبطال فلسطين".