بنفسج

"زنازين ناعمة": نساء ينظرن في مرآة واحدة

الخميس 20 يناير

ما إن يجد المرء شبيهًا لأحد سرعان ما يقول: "يخلق من الشبه أربعين"، وهذا مثل معروف للغاية. قديمًا، كانوا أربعين فقط، لكن بعد أن اقتحمت "السوشيال ميديا" حياتنا، وفرضت الموضة نفسها علينا، وبسبب الضغط الهائل من مجتمع ينساق للمظاهر، بات المثل مختلفًا، ولم يعد يخلق من الشبه أربعين فقط، بل مئات وآلاف الفتيات أصبحن نسخًا متماثلة يشبه بعضهن البعض حتى بتنا لا نفرق بينهن، لا يفعلن شيء غير أن يقلدن الممثلة هذه، وعارضة الأزياء تلك.

زنازين ناعمة غارقة فيها، كلما دخلت موقع التواصل الاجتماعي "إنستغرام" أشعر أنني دخلت مسابقة لاستعراض الجمال بالخطأ، منافسة شديدة تدور حول معيار الجمال، وآخر صياحات الموضة. أخرج منه هاربة، واقفة أمام المرآة بلا وعي، أنظر إلى وجهي تارة، وإلى جسدي وثيابي تارة أخرى. لماذا لستُ بجمال هؤلاء الفتيات؟ ولولا أنني أحسم أمري سريعًا، ولدي قدرة جيدة على التجاوز لأُصبت بالهوس، لكن الكثير من الفتيات لا يحسمن أمرهن، تراهن قد يجرفهن التيار بكل عنفوانه، وتصيبهن عاصفة هوس الموضة، وتكون النتيجة اضطراب نفسي تكون نتائجه غير محمودة أبدًا، منها انعدام الرضا، وسخط كبير على الشّكل، فتدخل الفتاة نفسها في دائرة المقارنة بينها وبين عارضات الأزياء والفنانات.

الموضة جعلت الفتيات ينظرن في مرآة واحدة، فأصبح من فرط التقليد أن ترى النساء يشبهن بعضهن في رسمة الفم، وقوام الجسد، ولون الشعر، أصبح من الصعب أن تعرف هل هذا ذوقهن الحقيقي أم مجرد اتّباع؟ لم تكتفِ الموضة من أنها صارت تتحدى الذوق الشخصي، بل ألغت جزءًا من ثقافة الدين عند المجتمع.

وأعتقد أن النساء هن الضحية الأكثر انجذابًا وتأثرًا بخطوط الموضة، ونقول النساء ليس تقليلًا من شأنهن، لكن من طبع المرأة أن تحب لفت الانتباه وجذب الأنظار، ولأنها تخاف دائمًا من النقد اللاذع أو الاتهام بالرجعية، فتجدها تسير مرغمة في نفس الرّكب حتى لو لم تتوافق معها هذه الموضة، لكي تتفادى أي اتهام قد تخضع له.

الموضة جعلت الفتيات ينظرن في مرآة واحدة، فأصبح من فرط التقليد أن ترى النساء يشبهن بعضهن في رسمة الفم، وقوام الجسد، ولون الشعر، أصبح من الصعب أن تعرف هل هذا ذوقهن الحقيقي أم مجرد اتّباع؟ لم تكتفِ الموضة من أنها صارت تتحدى الذوق الشخصي، بل ألغت جزءًا من ثقافة الدين عند المجتمع، فأصبحت الحاكم الأول، متى شاءت تجعل الملابس الطويلة الواسعة من أجمل ما يكون، وأحيانًا تجعلها أقبح ما وجد، وذلك تماشيًا مع أهوائها.


اقرأ أيضًا: الإنستجرام وإعادة تعريف الذات: ماذا ترى في المرآة؟


تلك المسماة بالموضة كانت كالغزو، تنقل لنا عادات غير تلك التي تربّينا عليها، حتى أنها قد وصلت لطريقة الحديث والصيغ اللفظية واللغوية، ولأثاث المنزل والحركات والسكنات، وأيضًا أصبحت جزءًا من ثقافة المرأة. الجسد والاهتمام بالمظهر أصبحا يحتلان المركز الأول، ومن هنا كان منطلق الحُكم على المرء منّا إن كان مثقفًا متحضرًا أم لا، لكن في حقيقة الأمر أنه من هنا بدأ ضعف القيم العظمى التي كانت عليها المرأة من قبل، بسبب أن الموضة ثقافة مستعمرة مهتمة بالجزئيات دون الكليات.

وبالرغم من كل ذلك، لا يمكن اعتبار الموضة عادة، كونها ليس لها دوام أو رسوخ، فهي غير ثابتة، تتقلص وتتمدد، تبلى وتتجدّد وتتغير، لكن الخضوع لسحرها وجاذبيتها هو عادة، فموضة الخمسينيات، لم تسر على موكب التسعينيات، وموضة التسعينيات لا يرضى بها جيل الألفين، بل ينظرون إليها نظرة سخط واشمئزاز، لكن الشيء الثابت أن الموضة نقلت لنا أشياء تتناقض مع عاداتنا، وديننا.

 وفي هذا المقام اقتبس ما قالته إحدى الكاتبات: "وضعُنا اليوم، بات أسوأ بكثيرٍ من قرويّ جاهلٍ يدخل مدينة تغص بالمعالم المعقّدة للمكان والزمان والنّاس، يواجه ما حوله بدهشة العقل الأميّ، وتواجهه حقيقة الناس والمكان بتعاليها وازدرائها ولصوصها ودجّاليها وعقلها المنظم والانتهازي، فيُحاول التملص من نفسه بارتداء ما يتناسب مع ما هو فيه، لينصهر في القطيع المتماثل الذي تم إخضاعه للنّمط الذي يبتغيه السوق والسياسة، وتفرضه معدلات الإنتاج، فيغدو الكائن روبوتًا استهلاكيًا مُسيرًا، ضاعت عنه ملامحه البشريّة، فتاه عن هويته في شوارع الموضة يسير بخطواتٍ مترنّحة بين الماركات والمنتجات".