بنفسج

أيمكن أن تكون صديقي ونلعب معا؟

الأربعاء 10 يونيو

أذكر عندما وقفت مكبّلة القدمين بحبل واحد على بعد ٥٠ مترا عن سطح البحيرة أشجع نفسي على القفز، بالرغم من الخوف الشديد من المنظر المهيب قلت عندها -للمرة الثانية في حياتي: روان لا تقلقي لا تفكري كثيرا فقط اقفزي واستمتعي بالمغامرة، وهذا تماما ما احتجته لأشجع نفسي، عندما تحولت من فتاة بعمر ٢٢ سنة مقبلة على الحياة ببراءة إلى أم لطفل ملائكيّ ( من ذوي الاحتياجات الخاصة). طفل في بيتي وبين أحضاني، وحيدة في غربة بلا أهل ولا أصدقاء، رددت ذلك الصوت: روان لا تقلقي، لا تفكري كثيرا، فقط خوضي المغامرة، واستمتعي بالرحلة مع وضاح.

 بعد حمل عسير وولادة أعسر في ١٣/٩/٢٠١٠ أصبحت أما لأول مرة، حاملة معي كل الأحلام والأمنيات عن طفلي. ترى ما لون عينيه؟! هل شعره أشقر كأبيه أم بنيّ مثلي؟ سأربيه كما يقولون (على الكاتالوج) تربية حديثة، ولم أكن أعلم عندها أنه سيكون معلمي وملهمي!

تلاشت كل هذه التساؤلات والأمنيات بعد ٣ ثوان من ولادته، لم يسعفني الوقت لاحتضانه ولأقبل جبينه، إذ إنهم اختطفوه من صدري وأعلنوا حالة الطوارئ. لم يبك طفلي كباقي الأطفال، بدأوا بضربه على ظهره وشفط السوائل من فمه الصغير، وأنا لا أدري هل هذا حقيقي أم أنني أحلم.

علينا كأهالٍ أن نكون قدوة لأطفالنا؛ فالطفل يتعلم بالنمذجة لا بالوعظ. ومن المهم جدا إرضاء فضول الأطفال والإجابة على أسئلتهم بالنظر إلى إيجابية الاختلاف، علينا أن نتقن فن الرد على هذا الفضول البريء.

استيقظت على قائمة طويلة من المشاكل الصحية التي اكتشفوها في طفلي وضاح. فأنا لا أنسى الرقم! كانت قائمة مكونة من إحدى عشرة مشكلة: بدءً من الالتهابات المختلفة، إلى وجود ثقب في القلب، مرورا بوجود جلد زائد على شكل حبة في منتصف رأسه، والتي رآها بعضهم على شكل عين بشرية وهذا دليل قاطع – من وجهه نظرهم - على أن وضاح أصابته العين! وحتى لو شرحت لهم حقيقة الأمر بأنها مجرد زائدة جلدية، عبثا أحاول ولا حياة لمن تنادي، وأنا حالي حال سعد زغلول وهو يقول: "مفيش فايده غطيني يا صفية".

امتدت إقامتي بالمستشفى عشرة أيام، حيث شرحوا لي منذ اليوم الأول كيفية عمل التمارين المطلوبة لتصحيح الاعوجاج في أقدام وضاح، والتدليك بزيت الزيتون لمرات لا حصر لها في اليوم. وبعد سنة من ميلاده، اكتشفنا أن تشخيص مرضه هو متلازمة نادرة تسمى "متلازمة روبنشتاين تايبي"، ولمن لا يعرف المتلازمة إجمالا فهي تسبب تأخرا عقليا وحركيا وحسيا للمريض. والآن، هل يمكن أن تكون صديقي ونلعب معا؟

بعد ثمانية أعوام من رحلتي مع وضّاح، وبعد خبرة كبيرة في عالم ذوي الاحتياجات الخاصة فإنني اختبرت المشكلة الحقيقية؛ إنها الفجوة القائمة بين ذوي الاحتياجات الخاصة وباقي أفراد وفئات المجتمع. وأما حلّها  فألخصه بكلمتين: "تقبّل الاختلاف".

 ماذا أعني بثقافة تقبّل الاختلاف؟ قال رسولُ اللهِ "صـلى اللهُ عليهِ و سلـم" : ( لا فرق بين عربي ولا أعجمي إلا بالتقوى"، والتقوى هي أن يتحاشى المسلم غضب الله بانتهاك حدوده والعدوان على ما حرمه. و"تعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان"، والتقوى ضد العدوان.  وعندما تعتدي على حق الطفل الملائكي وأمه وذويه بالكرامة والمساواة والعدل، فلا تقوى في ذلك. علينا كأهالٍ أن نكون قدوة لأطفالنا؛ فالطفل يتعلم بالنمذجة لا بالوعظ. ومن المهم جدا إرضاء فضول الأطفال والإجابة على أسئلتهم بالنظر إلى إيجابية الاختلاف، علينا أن نتقن فن الرد على هذا الفضول البريء.

 من الطبيعي أن يسأل طفلك مثلا: لماذا لون بشرة صديقي غامقة جدا؟ لماذا لا يمشي ابن خالتي ويجلس على كرسي متحرك؟ لماذا لا يلعب ابن الجيران معي ويعيش في عالمه الخاص؟ سيسأل كثيرا وهذه فرصه رائعه وذهبية لتعليمه ثقافة الاختلاف بدلا من اسكاته بداعي العيب.

علّمي طفلك أن الكون والعالم واسعان جدا، وفيهما الكثير من الأشياء المختلفة والكثير من الأطفال المختلفين؛ هناك الطويل والقصير، السمين والنحيف، ذاك الذي يمشي والمقعد على كرسي، الذي يأكل بالملعقة والذي يأكل عن طريق أنبوب في المعدة، هناك الكفيف الذي يرى ببصيرته والمبصر الذي يرى بعينيه، هناك من لديه توحد وهناك من لديهم متلازمات مختلفة. علميه أنه لا عيب ولا حرج أن يسألك عن اختلافهم، ولكن علميه أيضا: أنه يمكن أن يكون له صديقاً وأن يلعبا معا.