بنفسج

تقول الآنسة "س": لنفضح التحرش

الثلاثاء 04 يناير

كيفية حل مشكلة التحرش
كيفية حل مشكلة التحرش

تقول الأنسة س: "بما أننا بمجتمع يلصق الفضيحة بالضحية، ويجعل المفعول به مقدمًا على الفاعل، فلماذا نفصح عن ما فعلوه بنا؟". سؤال منطقي! ما هو التوجه في مثل هذه الحالة هل نفضحهم فعلًا، هيا بنا لنتعرف على كيفية حل مشكلة التحرش وما الذي عليك فعله لو تعرضت لهذا الفعل وما هي أنواع التحرش.

في مثل هذه المقالات نبدأ عادة بسرد النسب الحسابية، كأن نقول 50% من النساء في بلدِ ما تعرضن للتحرش في العام كذا أو 20% من النساء يقررن الإفصاح عن تعرضهن للتحرش في البلد هذه، ولكن، على غير العادة في هذا المقال، عن قضية التحرش وفضح المتحرش، لن نذكر أي رقم، والسبب لأن أغلب النساء اللواتي تعرضن للتحرش يفضلن السكوت والتستر خوفًا من الفضيحة والعار.

والأهم أن كثير منهن يعتقدن أنهن السبب، فيعشن دور الضحية التي تقتل نفسها كل يوم بتأنيب الضمير، لدرجة أن تكره نفسها وجسدها وألوانها الوردية، وثانيًا وهو السبب المخيف أن كثير من الفتيات يتعرضن للتحرش ويجهلن أنه تحرش! من تلك الكلمات واللمسات من القربى الذين نجلس معهم سويًا، وفي الصغر يأخذوننا في أحضانهم، هؤلاء الذين نستبعد أنهم الأذى بعينه ولم نكن نفهم أن هذا القرب ليس إلا شهوات!

أنواع التحرش

كيفية حل مشكلة التحرش
 
لم يعد التحرش حالة أو ظاهرة تظهر اليوم وتختفي غدًا من المجتمعات، بل هو جريمة وآفة تحدث كل يوم، وفي كل بلد، ومع فتيات وسيدات وأطفال، أكان تحرشًا جسديًا أو لفظيًا في الشارع ومكان العمل أو على كرسي الدراسة، أو تحرشًا إلكترونيًا ببعث كلام مسيء.
 

لن نذكر أي رقم، والسبب لأن أغلب النساء اللواتي تعرضن للتحرش يفضلن السكوت خوفًا من الفضيحة. والأهم أن كثير ًا منهن يعتقدن أنهن السبب، فيعشن دور الضحية وثانيًا وهو السبب المخيف أن كثير من الفتيات يتعرضن للتحرش ويجهلن أنه تحرش!

 إن الأعداد والنسب في هذه القضية بعيدة كل البعد عن الواقع! وستظل الأرقام صغيرة مقارنة بالحقيقة. لم يعد التحرش حالة أو ظاهرة تظهر اليوم وتختفي غدًا من المجتمعات، بل هو جريمة وآفة تحدث كل يوم، وفي كل بلد، ومع فتيات وسيدات وأطفال، أكان تحرشًا جسديًا أو لفظيًا في الشارع ومكان العمل أو على كرسي الدراسة، أو تحرشًا إلكترونيًا ببعث كلام مسيء أو صور للأعضاء الجنسية بمحادثات تطلب مكالمات صوتية وفيديوهات جنسية، وفي كل الحالات يستغلون خوف الفتيات، ويقتلونهن بسلاحهن، فبدل أن يفضحنهم، هم من يهددون بفضحهن! فيخضعن لهم، وهذا هو التناقض الغريب في المجتمعات العربية أن توجه السلاح إلى صدرك!


اقرأ أيضًا: رحلة نحو الهشاشة... كيف ينخر التحرش نفوس الفتيات؟


لكن، ماذا لو قررت "س" أن تفضح المتحرش؟ وتقرر وضع خطة بعنوان "كيفية حل مشكلة التحرش" بعد تعرضها لمثل هذه التجربة، ماذا لو قررت أن تقول بملء الصوت أن فلان تحرش بها! في السنوات الأخيرة، على مواقع التواصل، ظهر هناك توجه جديد لبعض الفتيات اللواتي تعرضن لتحرش؛ لفظي أو جسدي، فقمن بنشر صور وفيديوهات لمحادثات أو تصوير الفاعل في الشارع ونشره على المواقع – توجه لا يكاد يكون ملموسًا لكن موجود - وما بين مؤيد ومعارض كان لهذا التوجه وقع جيد على المتحرش بأن يعيد حساباته كاملاً، فأصبح هناك احتمال ولو ضئيلًا أن تنشر صوره ومحادثاته على صفحات الناس، وربما تصل عائلته وأهل بلده، ويُفضح!

سلاحك "فضح المتحرش"

كيفية حل مشكلة التحرش
 
في العام الماضي بتاريخ 22 تشرين الثاني/نوفمبر نُشر فيديو على مواقع التواصل الأردنية لصبية في باص (صويلح – عمان) تعرضت للتحرش، وبدأت بالصراخ مطالبة بطرد ومعاقبة الشاب الذي تعرض لها، في الفيديو ذاته كانت هناك أصوات من الركاب تقول لها "اسكتي يا أختي".
 
وأصوات أخرى "تقف معها"، كذلك الحال بعد انتشار الفيديو كان للتعليقات الإلكترونية وجهان؛ منهم من يطالب بالستر، ومنهم من يقول أنها السبب ومنهم من يقول "جدعة .. بستاهل تفضحه".

هل حقًا فضح المتحرش أمر ضروري؟ وأسلوب يجب أن يعمم كسلاح أخير في يد الفتيات؟ برأيي هو إحدى الأمور اللازمة للحد من التحرش، ومن السبل التي ستلوي أيادي المتحرشين، لكن كما قلنا هناك معيقات في ثقافة المجتمع، تطالب بالتكتم وإخراس صوت المظلوم، في معادلة مريبة معطياتها، أن السبب الأول في التحرش الفتاة، فكل اللوم عليها وإذا كشف أمرها ستصبح فتاة مفضوحة "ومعيوبة"، "وتستاهل ما جرى لها"، لذلك هي تتستر على الفاعل لأنها تريد أن تستر على نفسها!

في العام الماضي بتاريخ 22 تشرين الثاني/نوفمبر نُشر فيديو على مواقع التواصل الأردنية لصبية في باص (صويلح – عمان) تعرضت للتحرش، وبدأت بالصراخ مطالبة بطرد ومعاقبة الشاب الذي تعرض لها، في الفيديو ذاته كانت هناك أصوات من الركاب تقول لها "اسكتي يا أختي"، وأصوات أخرى "تقف معها"، كذلك الحال بعد انتشار الفيديو كان للتعليقات الإلكترونية وجهان؛ منهم من يطالب بالستر، ومنهم من يقول أنها السبب ومنهم من يقول "جدعة .. بستاهل تفضحه".

الكثير من الحوادث تبدأ وتنتهي هكذا ما بين تشجيع واستنكار، وهذا يعكس ثقافة المجتمع ونظرته للقضية، وكيف يتعاطى مع مفردات " المتحرش – المتحرش بها"، وكيف يكيل بمكيال أعمى لمجرد أن الضحية "فتاة" وهي حلقة الشرف والعار، وفي التيار المعاكس الجديد ظهرت أصوات من النساء ضد النساء بدأت تلوم اللواتي يسكتن بحجة أنهن ارتضين السكوت والجبن.

كذلك في قضية طفلة المعادي في مصر التي كانت تبيع المناديل، وتحرش بها بعد أن استدرجها لدرج إحدى البنايات، لتلتقطه كاميرا الشقة المقابلة وتوثق الحادثة كاملة لتقوم صاحبة الشقة بنشر الفيديو وكشف شكل المتحرش وما فعله، وكما تعودنا، كانت هناك أصوات تحترمها وتصفق لها، وأصوات أخرى طالبت بالستر وحاربتها.


اقرأ أيضًا: هل تكون المرأة عدوة لنفسها؟


الكثير من الحوادث تبدأ وتنتهي هكذا ما بين تشجيع واستنكار، وهذا يعكس ثقافة المجتمع ونظرته للقضية، وكيف يتعاطى مع مفردات " المتحرش – المتحرش بها"، وكيف يكيل بمكيال أعمى لمجرد أن الضحية "فتاة" وهي حلقة الشرف والعار، وفي التيار المعاكس الجديد ظهرت أصوات من النساء ضد النساء بدأت تلوم اللواتي يسكتن بحجة أنهن ارتضين السكوت والجبن، وبذلك أصبحن شركاء في الجريمة، بالتالي الضحايا نلن نفس النتيجة وهي الاتهام بكونهن سبب التحرش! - وهذا صحيح - لكن قبل أن نهاجم من يصمتن ولا يفضحن علينا تحليل القضية بموضوعية، لنفهم جميع الزوايا.

كيفية حل مشكلة التحرش

كيفية حل مشكلة التحرش

| أولًا: تشكيل بيئة حاضنة للضحية: هنا خطوة أولى للإجابة على سؤال كيفية حل مشكلة التحرش، قبل أن نعمم أسلوب الفضح، وقبل أن نلوم الضحية التي تأبى التكلم والتحدث، علينا أن نساهم في تشكيل بيئة حاضنة للضحية تعمل لها لا عليها، تحتويها دون أن تكون ضدها، وهذا يبدأ بتجريم المتحرش كسبب أول وأخير في قضية التحرش من دون أن نضع الذنب ولو عشرًا بالمئة على الضحية، وقطع كل أصابع الاتهام التي تشير للمتحرش بها بأنها السبب.

 علينا أن نشكل وعيًا مجتمعيًا كاملًا في البيوت والمدارس والجامعات، وعلى مواقع التواصل ومنابر الجوامع، وفي الشوارع، بأن المتحرش هو السبب الوحيد في قضية التحرش، وهو المجرم والظالم، والأمر ليس له علاقة بالرداء والمكان والوقت. فهناك أطفال يتعرضون للتحرش، وهناك من يرتدين لباسًا كاملًا في بعض البلدان، ويتعرضن للأذى، وهناك من يتعرضن للتحرش من داخل بيوتهن، فالأمر متوقف على المتحرش كفاعل وحيد. علينا تحصين القضية من الذين يبررون للمجرم، فمن تعيش في بيئة تقف معها كضحية لن تتردد في فضح من يتحرش بها، عكس تلك التي سيرفعون مقصلتها بمجرد أن ينتشر الخبر.

كيفية حل مشكلة التحرش
 
على الضحية أن تكسر عتبة الألم، وأن تخرج من دور الضحية طويل الأمد، وأقصد أن تتخذ موقف الدفاع، فعلى كل فتاة أن تعي وأن تفهم جيدًا أنها ضحية، نعم، ولكن ضحية ملت أن تكون ضعيفة، فعليها التحرك من ضحية صامتة إلى ضاحية متكلمة، فلا يجب أن تخجل أو أن تشعر أنها تستحق ذلك.

| ثانيًا: التخلي عن دور الضحية: على الضحية أن تكسر عتبة الألم، وأن تخرج من دور الضحية طويل الأمد، وأقصد أن تتخذ موقف الدفاع، فعلى كل فتاة أن تعي وأن تفهم جيدًا أنها ضحية، نعم، ولكن ضحية ملت أن تكون ضعيفة، فعليها التحرك من ضحية صامتة إلى ضاحية متكلمة، فلا يجب أن تخجل أو أن تشعر أنها تستحق ذلك، أو كما نقول في لغة الشارع "صارت معابة"، فهي لم تقترف أي ذنب أو جرم، وهذا يبدأ بالتحصين الذاتي من الفهم والتفكر والقراءة وبناء الشخصية.

| ثالثًا:التوقف عن ستر المتحرش: علينا إخراس الحجج الواهية، فهناك من سيقول إن هذا منافيًا للستر بجملة غريبة "أن الله أمرنا بالستر"، وهل الستر والتستر يجعلك أن تطالب بالتكتم على مجرم؟ لو نتفكر قليلاً بأن هذا الوحش سيظل طليقًا وحرًا ومتخفيًا بشخصيته اللطيفة والجيدة، وباقيًا على إجرامه في ممارسة التحرش، فسيتحرش بضحايا أخرى ويمكن أن يغتصبهن، فأنت من تطالب بذلك فكر لربما تكون ابنتك أو أختك أو فتاة تهمك ضحيته التالية، فهو لم يكشف بعد لأنك طالبت بستره.

كيفية حل مشكلة التحرش

| رابعًا: عدم إعطاء مبرر وقول "لماذا الفضحية": من خلال متابعتي لعدة حوادث حصلت على الفيسبوك، هناك من يقمن بنشر محادثات لا تحتوي على كلام جنسي صريح، لكن تحتوي على كلام منمق وفيه من الغزل بالملامح والجسد، فيقول البعض أن هذا لا يُعتبر تحرشًا، فلماذا الفضيحة. وهنا يجب أن نفهم أمرًا مهم أن ما يصح في بيئة ما، لا يجوز في بيئة أخرى، وأن الكلام الجميل والغزل مع بعض الأشخاص لا يعني أنه ممكن الاستخدام مع كل الأشخاص، فهناك فتيات يرتضين بالمديح بشكل الوجه مثلاً، وهذا لا يعني أن كل الفتيات كذلك، ولب الفكرة أنه لا يجوز لأي شخص استخدام كلام فيه من الغزل مع أشخاص لا تربطه بهم أي معرفة مسبقة، فلا تلم فتاة لا تعرفك ولم تلتمس منها أي قبول أن تقوم بنشر مضايقاتك!

كيفية حل مشكلة التحرش
 
 إن تكسير أصنام المجتمع وإيجاد ثقب للصراخ والإفصاح أمر عظيم، فمعظم المجرمين لن يتوقفوا إلا بهذه الطريقة، لذلك يجب أن يكون هناك تكاتفًا مجتمعيًا ليدعم دون أن يطلق الحجج والمبررات، وقانونيًا ليتمحص ويدقق في الجرائم، وعائلة تحتوي وتقف مع ابنتها وشخصية قوية لا ترى نفسها ذنب.
 
وكما قيل "إذا تم إخراسك بحجة الفضيحة، افضح الفضيحة".فلعلكِ تكوني طوق نجاة لطفلة كادت أن تكون ضحية جديدة لهذا المجرم الطليق، كوني الحلقة التي تُكسر لتكسر سلسلته.

| خامسًا: التأكد من فعل المتحرش: هناك من يعترض أنه من الممكن أن يتم استغلال أسلوب فضح المتحرش من أجل مصالح شخصية، وتوجيه تهم بغير حق لأشخاص بريئة بما يعرف بالاغتيال المعنوي من قبل الخصوم، وهذا ما يجعل الأمر شائكًا حين يتم النظر إلى الأمر من الجهة القانونية، فالقانون الفلسطيني يمنع ويعاقب من يقوم بنشر أي فيديو أو صور تمس أي شخص حتى ولو كانت صحيحة، ربما إذا أخذنا بعين الاعتبار الفكرة نجد أنها موضوعية، لكن لا يجب أن ينتهي الأمر هنا.


اقرأ أيضًا: قبل أن يبدأ: أفكار متوارثة تجعل من " الزواج" مشروعًا فاشلًا


 فبرأيي بعد أن يتم أخذ التدابير القانونية اللازمة، والتحقيق والتأكد من الفاعل وفعلته. يجب أن يكون هناك قرار قانوني يسمح للضحية بفضح المتحرش، حتى يكون عبرة لغيره. فالمتحرش يتغذى على أمرين هنا؛ الأول أن القانون أتى بشكل فضفاض في هذه القضايا، والثاني أن يبقى للفتاة خيار اللجوء للأهل، وهذا كما قلنا سابقًا غير ممكن دائمًا بسبب ثقافة العيب وتفضيل السكوت.

وأخيرًا، ظهرت عدة مبادرات لمساعدة الفتيات منها فريق Harass MAP التطوعي في مصر من أجل فضح المتحرشين، وقدمت خدمات إلكترونية لتحديد الأماكن التي يكثر فيها التحرش، ووفرت رقمًا للتواصل والشكوى والمتابعة، أيضًا مبادرة "شفت تحرش"، وفي لبنان كذلك مبادرة "متعقب التحرش"، وصفحة "افضح متحرش" وغيرها. وجميعها بدأت من مبادرات شخصية وصغيرة وبدأت تكتسب تشجيع من الفتيات.

تحدثنا هنا عن تعريف المتحرش وكيفية حل مشكلة التحرش وأنواع التحرش، أود القول في النهاية، إن تكسير أصنام المجتمع وإيجاد ثقب للصراخ والإفصاح أمر عظيم، فمعظم المجرمين لن يتوقفوا إلا بهذه الطريقة، لذلك يجب أن يكون هناك تكاتفًا مجتمعيًا ليدعم دون أن يطلق الحجج والمبررات، وقانونيًا ليتمحص ويدقق في الجرائم، وعائلة تحتوي وتقف مع ابنتها وشخصية قوية لا ترى نفسها ذنب. وكما قيل "إذا تم إخراسك بحجة الفضيحة، افضح الفضيحة"، فلعلكِ تكوني طوق نجاة لطفلة كادت أن تكون ضحية جديدة لهذا المجرم الطليق، كوني الحلقة التي تُكسر لتكسر سلسلته.