بنفسج

قصتي.. ساجدة أبو الهيجا

السبت 11 مارس

سألت أشقائي قبل اعتقالهم عن أي نشيد يفضلون لفقرتهم في عرسي، والتي سأخرج عليها برفقتهم من القاعة نحو منزل زوجي، هل تفضلون نشيد سيوف العز أم نشيد حمزة، أم أي شه.يد آخر؟ وإجاباتهم أن أختار ما أراه مناسبًا ويسعدني.  "أتذكر كيف بكيت بحرقة ذهبت لحضن شقيقي عماد واستمريت بالبكاء حتى نمت. وكنت كلما رأيت أطفال العائلة مع أمهاتهم أبكي كثيرًا أيضًا".  أنا ساجدة أبو الهيجا ابنة الأسير جمال وحملت هذا اللقب منذ عمر الست سنوات، وفي ظل بدء استعيابي لمعنى كلمة اعتقال أبي فوجئت باعتقال أمي بعده بفترة وجيزة

سألت أشقائي قبل اعتقالهم عن أي نشيد يفضلون لفقرتهم في عرسي، والتي سأخرج عليها برفقتهم من القاعة نحو منزل زوجي، هل تفضلون نشيد سيوف العز أم نشيد حمزة، أم أي شه.يد آخر؟ وإجاباتهم أن أختار ما أراه مناسبًا ويسعدني.  "أتذكر كيف بكيت بحرقة ذهبت لحضن شقيقي عماد واستمريت بالبكاء حتى نمت. وكنت كلما رأيت أطفال العائلة مع أمهاتهم أبكي كثيرًا أيضًا". 

أنا ساجدة أبو الهيجا ابنة الأسير جمال وحملت هذا اللقب منذ عمر الست سنوات، وفي ظل بدء استعيابي لمعنى كلمة اعتقال أبي فوجئت باعتقال أمي بعده بفترة وجيزة وكانت المداهمة لأخذها ليلة عيد الأضحى من العام ٢٠٠٣أذكر كيف بكيت طويلًا، وكيف نمت طيلة يوم العيد هروبًا من مواجهة الحقيقة المرة، 9 أشهر من الغياب القصري لأمي، في سجون الاحتلال، كانت الأصعب في طفولتي، يعرفونني بأنني رفيقة أمي، الذي أفرج عنها بعدها بمدة فبللت قلبي بلقاءها ولكن ظل أمي خلف الأسوار العاتية. 

عصفت بنا الحياة كثيرًا نخرج من اعتقال لاعتقال، ولكن القشة التي قصمت ظهري هي لحظة معرفتي بإصابة أمي بورم في الرأس، كانت من أصعب اللحظات في حياتي، تعاني أمي منذ سنوات طويلة من المرض، تهزمه ويهزمها مرات. عشت بجانبها في مستشفى المقاصد لحظة بلحظة، رأيتها تتألم، وأنا أقهر قهرًا على ما تعانيه. فقدت بصرها وهي تحارب المرض فكانت راضية بقضاء الله وقدره. 

نحن من عائلة اُعتقل أبناؤها جميعًا في سجون الاحتلال لفترات مختلفة، وحرموا داخل السجون الاجتماع بوالدهم الذي عاش 8 سنوات من سجنه في العزل الانفرادي، وهو ما جعل المعضلات تتشابك، توليت أنا الذهاب للزيارات أنا وشقيقي حمزة الذي يكبرني بأربع سنوات ونحن فقط من سمح لنا بالزيارة، باقي العائلة وضعت في خانة المنع الأمني. 

منذ الصف الأول اعتدت على الزيارات لوالدي، صوت السلاسل التي كبلت أقدامه وخوفي وحمزة من تلك اللحظات والزيارات الأمنية المشددة، حيث كنا نزوره في في منطقة محددة بعيدة عن زيارات الأسرى الآخرين نظرًا لعزله الإنفرادي، منعت من زيارته لاحقًا لمدة 4 سنوات عن الزيارة، فكانت الفترة الأصعب في حياتي، يغمرني الاشتياق لرؤيته. أذكر مرة حين ذهبت لزيارة والدي بالحجاب، استشعرت في عينيه مدى دهشته من مرور الزمن، وكيف كبرت في هذه الأعوام.

وأيضًا إضافة لزيارة والدي التي اعتدت عليها، كنت أزور أشقائي المعتقلين برفقة حمزة، حتى كبر ولم يعد يستطيع مرافقتي للزيارة، واستمريت بهذه المهمة. 

عام 2014 ارتقى رفيقي وشقيق روحي حمزة شهي.دًا، باغتيال الاحتلال له باشتباك مسلح خلال محاصرته في أحد المنازل في مخيم جنين، ليشكل ذلك العام مرحلة تحد جديدة ومركبة لي، حيث كنت طالبة في الثانوية العامة حينها. سبق استشهاد حمزة، اعتقال الاحتلال لعماد شقيقي، وخلال الشهر التحضيري لتقديم الامتحان اعتقل الاحتلال شقيقي الثاني عاصم وما بين الحدثين كان فراق حمزة. حمزة كان قريبًا مني جدًا، أبثه مشاكلي ويفهمني، افتقدته كثيرًا. صحيح أن الصبر يرافق المصاب، لكن الشعور الحقيقي بالفقد يبدأ بعد وقت من الحدث، وتبدأ الأيام بكشف مدى الألم وحرقة القلب كبيرة في غيابه.

كنت رفقة أمي في المستشفى عندما استشهد حمزة، وكنت أتحضر لتقديم امتحانات الثانوية العامة حينها، في ظروف غاية في الصعوبة تخللها مطاردة حمزة، كما أجبرنا قبل استشهاده بأشهر على مغادرة منزلنا لفترة من الوقت، بعد تدمير الاحتلال له نهاية عام 2013، في أعقاب استش.هاد الشاب نافع السعدي في منزلنا بعد اقتحام قوة خاصة له. 

تخطيت الثانوية العامة في الفرع العلمي، والتحقت بالجامعة الأمريكية وحصلت منها على شهادة في تخصص التحاليل الطبية، واعمل حاليًا في مستشفى ابن سينا، الآن أنا طالبة ماجستير في تخصص الأمراض المعدية بجامعة النجاح.