بنفسج

أبحاث وبراءة اختراع... هكذا تسعى ثبات الخطيب لحل لغز الزهايمر

الإثنين 15 يونيو

قضت سنوات من عمرها داخل أسوار المختبرات البحثية تحاول حل اللغز الكامن وراء مرض العصر "الزهايمر". اجتهدت وحاولت، حتى توّج مجهودها ببراءة اختراع دوت في الأوساط الطبية. متفوقة منذ طفولتها؛ وضعت نصب عينيها شعار "الشيء الذي لا يقتلك يجعلك قويًا"، لم تتراجع ولو للحظة؛ اسمها ثبات ولكل شخص من اسمه نصيب. الدكتورة ثبات الخطيب مبتكرة عقار الزهايمر تروي لبنفسج حكاية أعوام من البحث والجد والنجاح.

الفلسطينية ثبات التي لم تبلغ عقدها الثالث بعد، سجلت براءة اختراع في تطوير تركيبات دوائية جديدة تؤثر على الخلايا العصبية وتحسّن من أدائها لمرضى الزهايمر، تقول: "خلال عملي كباحثة درست الدماغ والخلايا العصبية والتغيرات التي تطرأ عليهم في حالة الأمراض العصبية، ثم حاولت تطبيق هذه المعرفة، وربطها بأرض الواقع عن طريق استخدام تقنيات مختلفة لإيجاد علاج للمرضى المصابين بالأمراض العصبية".

  |  تميّز منذ الصغر

غ29.png
 

لم يحصل هذا النجاح فجأة، إنما أعوام كثيرة سبقت هذا الإنجاز من الجد، والغوص في بحر العلم. أنهت ضيفة بنفسج الثانوية العامة بمعدل 98% وكان من المفترض أن تبدأ رحلتها الجامعية بتخصص الطب البشري، ولكن رغبتها في التميز والدخول إلى عالم الأبحاث دفعتها لاختيار تخصص العلوم الحياتية والتقنيات الحيوية.

لم ترغب ثبات أن ينتهي بها المطاف كطبيبة تقليدية، وناقشت الأمر مع والدها حتى توصلت لاتفاق أن تدرس شيئا له علاقة بالطب، بشرط أن تكمل الدراسات العليا فيه، بعد انتهاء دراستها بتفوق التحقت بدراسة الماجستير، وتمحورت رسالتها حول مرض سرطان القولون الوراثي.

في العام 2015 التحقت ثبات بكلية الطب في جامعة أبردين البريطانية لدراسة الدكتوراة في علوم الأعصاب التطبيقية، ومن ثم بدأت العمل كباحثة في برنامج زمالة ما بعد الدكتوراة وخلال هذه الفترة بدأت العمل على عقار مرض "الزهايمر".

لعائلتها دور في اهتمامها بالطب وآخر ما توصل إليه، فوالدها طبيب جراح، ووالدتها صيدلانية كانا القدوة لها، فتفوقت دائمًا حتى تصبح مثلهما، تقول لـ “بنفسج": "أنا محظوظة بعائلتي تلقيت كل أشكال الدعم منهم طوال سنوات دراستي، حتى عند سفري خارج البلاد للدراسة لم يعارضوا أبدًا".

 | براءة اختراع

تأخذنا الدكتورة ثبات في جولة خلف الكواليس لتعرفنا على سير العمل داخل أروقة المختبرات، تقول: "بدأت العمل مع فريقي على تطوير تركيبات دوائية تفيد الأمراض العصبية المختلفة وخاصة مرض الزهايمر، حيث تم البدء باكتشاف هذه التركيبات عن طريق ملاحظة نقص عند نماذج الحيوانات المعدّلة جينياً المصابة بالزهايمر (معدلة ليصبح لديها زهايمر)، حيث هناك نقص في مادة كيميائية اسمها (ريتينويك أسيد)، وخلل في نظام عملها وتصنيعها في الجسم".

 وتواصل الدكتورة الشرح لـ "بنفسج": "هذه المادة يحصل الجسم عليها ويشتقّها عادة من فيتامين أ من الغذاء، حيث لا يستطيع تصنيعها بنفسه، فقمنا أولاً بتجربة الريتنويك أسيد كعلاج، ولكنّ المادة نفسها كانت غير مستقرة وكذلك سامّة عند استخدامها بتراكيز عالية. ولحل المشكلة، قمنا بصناعة تركيبات دوائية شبيهة بمادة الريتينويك أسيد، بحيث تكون أقوى وأكثر فاعلية باستخدام تراكيز صغيرة، هذه التركيبات الدوائية ما زالت قيد الدراسة في المختبر لمعرفة مدى تأثيراتها الطويلة".

بعد الوصول إلى نتائج مبشرة توجهت ثبات وفريقها لمنظمة ال WIPO العالمية لحماية حقوق الملكية الفكرية للأفراد لتسجيل هذه المركبات بشكل رسمي كبراءة اختراع. وتضيف ضيفة بنفسج: "إن هذه التركيبات ستنتقل قريبًا للمرحلة القادمة، وهي التجارب السريرية على الإنسان، ثم سيتم البدء بتصنيع التركيبات على شكل دواء وتوزيعها في الأسواق، ومن المتوقع أن تستغرق العملية عدّة سنوات".

  مرض الزهايمر يدمر الذاكرة والوظائف الذهنية، وهو عبارة عن ضمور في خلايا المخ السليمة، مما يؤدي إلى تراجع في الذاكرة والقدرات العقلية. وتبلغ نسبة الإصابة بالمرض حوالي 70% من حالات الخرف حول العالم ولا يوجد علاج له مما دفع ثبات لاختياره كمادة بحثية لمحاولة فهمه والتوصل لحلول نهائية.

 | نار الغربة

رحلتها الدراسية كانت ميسرة جدًا، الصعوبة التي واجهتها فقط تكمن في محاولة التأقلم مع  الغربة، تقيم ثبات في بريطانيا، ولكنها الآن في إجازة مفتوحة من عملها في فلسطين لتدرس الوضع الحالي بالبلاد ورؤية مجالات العمل المتوفرة، حيث تطمح لتصبح محاضرة بكليات الطب لتنقل للطلاب الفلسطينيين خلاصة تجربتها في علوم الأعصاب التطبيقية.

وحين سألتها عن الرحلة الدراسية والبحثية في بريطانيا، أجابت: "الأمور كانت ميسرة جدًا والجامعة مجهزة بكل المعدات التي يحتاجها أي باحث لإجراء بحثه، الصعوبة الوحيدة التي واجهتها في البداية هي محاولة التأقلم مع الغربة". إن حاوطها اليأس مرة تأتي إليها ملهمتها ومصدر قوتها، لتأخذ بيدها لبر الأمان بكلماتها الحنونة، تقول ثبات: "والدتي مصدر إلهامي، تشجعني على تحقيق أحلامي حتى لو كانت مستحيلة، ودومًا أتذكرها حين تقول لي أنت ثبات ابقي ثابتة دائمًا".

الغربة عبارة عن صقل للشخصية وتوسعة للآفاق واكتساب للمعرفة والخبرة؛ سواء على الصعيد الشخصي أو المهني، تجربة لندن غيرت من شخصية ثبات وطريقة تفكيرها وعرفتها على ثقافات جديدة وأصدقاء جددالدكتورة والباحثة، بالرغم من ضيق وقتها لا تقتصر على القراءة في المجال الطبي بل تقرأ مختلف الكتب الثقافية والروايات، ومهتمة بتعلم اللغات حيث تتعلم حاليًا ثلاث لغات.

تقيم ضيفة بنفسج في بريطانيا، ولكنها الآن في إجازة مفتوحة من عملها في فلسطين لتدرس الوضع الحالي بالبلاد ورؤية مجالات العمل المتوفرة، حيث تطمح لتصبح محاضرة بكليات الطب لتنقل للطلاب الفلسطينيين خلاصة تجربتها في علوم الأعصاب التطبيقية.

 | سفيرة فلسطين

حين كانت تبحث عن منحة في بريطانيا لإكمال الدكتوراه، تقول: "كنت على وشك تغيير حلمي من السفر لها إلى أي دولة أخرى نظرًا لصعوبة القبول فيها، ولكن ظهرت لي الدكتورة سبأ جرار كحبل نجاة، ولن أنسى ما قالته أبدًا. قالت حرفيًا: "إن كان بريطانيا حلمك ما تتنازلي عنه وتروحي لدولة ثانية، بإمكانك تحقيقه".
 
لا تتوقف طموحات الباحثة المقدامة، فهي تسعى بعد الانتهاء نهائيًا من عقار مرض الزهايمر للانتقال إلى مرض عصبي جديد في محاولة لفهمه وإنتاج علاج له.

لم تكن ثبات طالبة وباحثة فقط في بريطانيا، بل كانت سفيرة لفلسطين تعرف العالم على المرأة الفلسطينية، تضيف: "تواجدي هنا كان أكبر تصحيح لصورة المرأة العربية المسلمة بشكل عام، من يراني يستغرب من وجودي بمفردي ولكني أصحح لهم النظرة وأخبرهم عن رضا عائلتي وتشجيعهم لدراستي بالخارج".

وتكمل حديثها لـ "بنفسج": "كان البعض يعتقد أنني ارتدي الحجاب بالإجبار وإن لم أرتديه سأتعرض للقتل، وكنت أوضح لهم بأن قرار الحجاب قرار اتخذته لوحدي". يوجد العديد من الأشخاص حول العالم لا يعرفون فلسطين، وعند سماعهم اسمها يعتقدونها باكستان، وفي كل مرة كانت توضح لهم ثبات أين فلسطين، وتشرح لهم عن القضية الفلسطينية ومعاناة شعب كامل يرزح تحت بطش الاحتلال الإسرائيلي.

تعيد ثبات شريط الذكريات إلى ما قبل خمس سنوات حين كانت تبحث عن منحة في بريطانيا لإكمال الدكتوراه، تقول: "كنت على وشك تغيير حلمي من السفر لها إلى أي دولة أخرى نظرًا لصعوبة القبول فيها، ولكن ظهرت لي الدكتورة سبأ جرار كحبل نجاة، ولن أنسى ما قالته أبدًا، قالت حرفيًا: "إن كان بريطانيا حلمك ما تتنازلي عنه وتروحي لدولة ثانية، بإمكانك تحقيقه". لا تتوقف طموحات الباحثة المقدامة، فهي تسعى بعد الانتهاء نهائيًا من عقار مرض الزهايمر للانتقال إلى مرض عصبي جديد في محاولة لفهمه وإنتاج علاج له، ولا تنسى طموحها الكبير لنيل جائزة نوبل في الطب.