بنفسج

قصتي: من جولة في بلادي إلى قمة كليمنجارو

السبت 04 يوليو

لم أتردد أبدًا في الكتابة عن تجربتي في تسلق رابع أعلى قمة في العالم، قمة جبل كليمنجارو في أفريقيا. لن أدّعي أنني فتاةً مسافرة ولدي الكثير من التجارب والمغامرات؛ فأنا فتاة عادية جدًا وبسيطة درست في الجامعة وتخرجت في قسم اللغة الإنجليزية وآدابها وتفرعت في الترجمة. والآن أعمل مترجمة من العربية إلى الإنجليزية وبالعكس. بدأت رحلتي مع الجبال قبل كليمنجارو، فمنذ عامين تقريبًا بدأت بالخروج والتعرف على طبيعة بلادي وزيارة قراها ومدنها، وفي كل مرة أزور قرية، أعشق كوني فلسطينية، مع أنني في السنين القليلة الماضية كنت أُفكر لماذا خلقني الله فلسطينية ولم يخلقني أميركية مثلًا؟ عشقت بلادي جولةً بعدَ جولة ومساراً بعدَ مسار، عشقت الهواء والحجارة وابتسامات أهل كلِّ بلدٍ نزورها. هذه الجولات كانت الأساس لرحلة كليمنجارو. عندما أخبرتني ابنة خالي آلاء عن هذه الرحلة ظننت أنها ستكون رحلة سفر عادية ورياضية على الأغلب؛ ولكنني اكتشفت بعدها أن كل جولاتي في فلسطين كانت الأساس لهذه الرحلة، فعليًا كنتُ أُجهز نفسي لهذه الرحلة نفسيًا وجسديًا دون أن أعلم.

ولكنها مختلفة بعض الشيء، كان هدف الرحلة الوصول إلى قمة كليمنجارو واسمها أوهورو، ولكنني وجدت نفسي أبحث عن القمة في كلِّ شيء في نفسي؛ قمة حزني وسعادتي وقمة خوفي وراحتي وقمة اهتماماتي ولامبالاتي وقمة قوتي وضعفي. واللافت أنني وجدتها متجسدةً أمامي في كل يوم أمشي فيه في الخلاء والفضاء الواسع الرحب اللامتناهي، لن أقولَّ أنني وجدتها كلها ولكن معظمها. فالجبل كانَ مثل المرآة بالنسبة إليَّ، مرآةً تكشف لي ما بداخلي.

| في الطريق إلى القمة استحضرت المعاني العظيمة التي تخطر في النفس البشرية عن الارتقاء، الصعود والنهوض. خطر ببالي أن رحلة المشي إلى الجبل مثل رحلة الحج رمزيًا، فيها الشقاء والتعب ولكن فيها راحة واستكانة الروح.
| ولحظة الوصول هي لحظة يزخم فيها الشعور ويختلط، فلم أستطع أن أُفرق بين الحلم والحقيقة حينها، كانت لحظة من قمة السعادة ولكنها كانت ممتزجة أيضًا بالخوف. وبالتأكيد، لم تنتهِ الرحلة هناك على تلك القمة، فبالنسبة إليّ الرحلة بدأت بعد عودتي إلى فلسطين.

وأحيانًا كان يخطر ببالي أن رحلة المشي إلى الجبل مثل رحلة الحج رمزيًا، ففيها الشقاء والتعب ولكن فيها راحة واستكانة الروح، وكان يخطر ببالي أيضًا أن رحلة المشي إلى الجبل مثل رحلة الحج فيها شقاء وتعب، ولكن فيها أيضًا راحة واستكانة للروح، ورحلة سيدنا عيسى عليه الصلاة والسلام ورحلة سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام سواء في الإسراء والمعراج أو عندما خرج من مكة إلى المدينة، لا أعرف لماذا، ولكنني تذكرتهم كلهم حتى ياسر عرفات رحمه الله في جملته المشهورة يا جبل ما يهزك ريح، ولم أتذكر الشهيد المثقف المشتبك باسل الأعرج لأنني أصلًا لم أنسه، فهو ابن الجبل، احتمى به وذكره في مدوناته مراتٍ عديدة. هذه الأهمية الرمزية للجبل رأيتها أنا بالواقع والحقيقة، لم أرَ الرموز، بل رأيت المشبه به منتصبًا أمام عينيَّ.

لا أستطيع نسيان صورة الجبل. أحيانًا كان تمر علي لحظات لا أُصدق فيها ما ترى عيناي. لم أستطع أن أُفرق بين الحلم والحقيقة، كانت هذه اللحظة قمة السعادة ولكنها كانت ممتزجة أيضًا بالخوف والمشاعر المختلطة. لم أستطع التحرر من فكرة أن الرحلة قد انتهت، فبالنسبة إليّ الرحلة بدأت بعد عودتي إلى فلسطين.

| السؤال: هل وجدت نفسي على القمة؟

d7.png


لا، لم أجدها، ليس لأنني لم أصل إلى القمة، وإنما أدركت بعدها أن الانتظار لا يكمن فقط في تحقيق الهدف، وإنما بك أنت خلال رحلة تحقيق الهدف ما بعدها إذن هل وجدت نفسي؟ أيضًا لا، ولكنني ما إن أدركت المشكلة وجدت نصف الحل.

عندما كنت أمشي مرةً في الغابة الخضراء الممطرة ومرةً في الصحراء الألبية القارصة ومرةً في الثلج ومرةً في الجو المعتدل؛ شعرت أن هذه الطبيعة ما هي إلا انعكاس لأنفسنا وما بداخلنا، فمرةً تمر علينا أيام نشعر بها بالفرح ونحب الحياة ومستمتعين بصوت العصافير والمياه، ومرةً نكون مستائين لدرجة أن كل ما حولنا يجف، ونشعر ببرودة وسكون وفضاء كل شيء، ونشعر بفراغٍ داخلي تمامًا كما الصحراء الألبية، أينما نظرت فراغ وطريق قاسٍ لا نهايةَ له.ولكن مع ذلك، فكل هذا التناقض هو جمال بحد ذاته؛ فلم تكن الطبيعة يومًا غابةً خضراء تعج بها الحياة واليوم التالي صحراء باردة بلا زرع، لا.

بل كان هناك تدرج في قساوة الطبيعة، أول يوم غابة ماطرة، واليوم التالي أشجار ونباتات صغيرة، واليوم الثالث صحراء باردة، واليوم الرابع ثلج. وهكذا يجب أن نتعامل مع الأمور ويجب أن يكون في حياتنا توازن وتدرج لهي من أساسيات التفكير بأي شيء. لو أننا واجهنا الصحراء القاحلة والثلج مباشرةً بعد الغابة الخضراء التي تضج بالحياة، لما استطعنا إكمال يومٍ آخر حتى لو كنا أعظم المتسلقين.